قلم الناس : متابعة
عرفت العلاقات المغربية الأمريكية خلال السنوات الخمس الأخيرة تحولات استراتيجية بارزة، جعلت منها واحدة من أقوى الشراكات الثنائية في المنطقة المغاربية، بفضل تطورات دبلوماسية غير مسبوقة وتعاون عسكري واقتصادي متزايد.
ويعد قرار الولايات المتحدة، في دجنبر 2020، الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء المغربية، بمثابة النقطة المفصلية في مسار هذه العلاقة، إذ شكل حدثًا تاريخيا غير مسبوق في السياسة الخارجية الأمريكية، وفتح الباب أمام تحولات جيواستراتيجية عميقة في شمال إفريقيا.
الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، الذي جاء في عهد الرئيس دونالد ترامب، مثل دعما صريحا لموقف الرباط في النزاع الإقليمي حول الصحراء، وهو ما عزز من مكانة المغرب كحليف استراتيجي موثوق به في منطقة تزداد فيها التوترات الجيوسياسية.
هذا القرار لم يسحب أو يُجمد من طرف الإدارة الأمريكية اللاحقة برئاسة جو بايدن، ما يشير إلى استمرارية هذا الخيار كعنصر ثابت في السياسة الأمريكية تجاه المغرب، وإن في سياق أكثر تحفظًا إعلاميًا.
على الصعيد العسكري، عرفت الشراكة المغربية الأمريكية تطورا لافتا، ترجم من خلال توقيع اتفاقية التعاون العسكري الممتد إلى سنة 2030، التي وقعها البلدان في أكتوبر 2020.
وتنص الاتفاقية على تعزيز التنسيق في مجالات الدفاع، وتحديث القدرات العسكرية للمغرب، وتعميق التعاون في مجال الاستخبارات والتكوين، وقد أصبح المغرب، بفضل هذه الاتفاقيات، أحد الشركاء الأمنيين الأساسيين للولايات المتحدة في إفريقيا، ويشارك بانتظام في المناورات العسكرية الكبرى مثل “الأسد الإفريقي”، التي تُنظم سنويًا تحت إشراف القيادة الأمريكية في إفريقيا (AFRICOM).
في السياق نفسه، شهدت صفقات التسلح بين الرباط وواشنطن نموا ملحوظًا، فقد اقتنى المغرب خلال السنوات الأخيرة عددا من الأنظمة الدفاعية المتطورة، شملت طائرات مقاتلة من طراز F-16 Viper، وأسلحة دقيقة التوجيه، ومنظومات رادار متقدمة، ومروحيات هجومية من نوع AH-64 Apache. وبلغت قيمة بعض هذه الصفقات مليارات الدولارات، وهو ما يعكس رغبة المغرب في تحديث قدراته الدفاعية في ظل بيئة إقليمية معقدة وتزايد التحديات الأمنية، خاصة في منطقة الساحل والصحراء.
إن التعاون المغربي الأمريكي لا يقتصر على البعد العسكري والدبلوماسي فقط، بل يمتد إلى المجال الاقتصادي والتجاري، في إطار اتفاقية التبادل الحر الموقعة سنة 2004، والتي تواصل إنتاج أثرها في تعزيز المبادلات التجارية بين البلدين. كما يشكل المغرب منصة مهمة للشركات الأمريكية الراغبة في التوسع نحو القارة الإفريقية، في ظل الاستقرار السياسي والبنية التحتية المتطورة التي توفرها المملكة.
إن تحليل تطورات هذه العلاقات يظهر بوضوح أن المغرب تمكن من ترسيخ موقعه كشريك موثوق لواشنطن، مستفيدا من تحولات السياسة الخارجية الأمريكية ونجاحه في بناء تحالفات طويلة الأمد.
وقد ساهم هذا المسار في تقوية الموقف المغربي في قضايا حيوية، وعلى رأسها قضية الصحراء، حيث أصبح الاعتراف الأمريكي ورقة دبلوماسية قوية، يواجه بها المغرب محاولات التشويش والانفصال، معتمدا على دعم يتجاوز الحسابات الظرفية، نحو بناء شراكة استراتيجية عابرة للإدارات.
إرسال تعليق