ألم يحن الوقت بعد لإنصاف مغاربة العالم؟

بقلم : ذ.محمد المتوكي

لاغرو أن  النقاش  العمومي و الحزبي  حول الاستحققات الانتخابية المقبلة  لايقل أهمية عن التحديات الإقتصادية والإجتماعية التي تعيشها بلادنا و العالم بأسره ، فبإجماع المغاربة المرحلة الان دقيقة بما يكفي لأن نقتصد كل الجهد للمرحلة المقبلة وهي مرحلة الاستحقاقات ومرحلة بناء وطن مابعد الجائحة وتداعياتها ،و  أعتقد جازما أن هذا النقاش الذي يدور  حاليا هو مشروع ترسيخ الإختيار الديمقراطي ما بعد الحرب على جائحة كورونا، وهو في إعتقادي السياق الأنسب لتحقيق الغايات المنشودة لتقوية دولة المؤسسات وتعزيز مفهوم الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة التي جسدها الخطاب الملكي الأخير يوم 9 أكتوبر 2020.

فقد كان لي قبل حوالي الاسبوعين شرف المساهمة في ندوة تفاعلية نظمها حزب الاصالة و المعاصرة فرع مغاربة العالم في موضوع  ” مغاربة العالم و المشاركة السياسية ” ،فقد جعلني هذا العنوان الذي اختاره المنظمون  اقف مليا على حرف قد لا نقف عنده كثيرا أو قد لا يظهر حتى ، و هو ” حرف الواو” ، غير أنه في اعتقادي  يلخص ما كامل الاسف كل ما يمكن أن يقال حول الموضوع ، و هو أنه هنالك حالة من الفصل/ القطيعة  بين مغاربة العالم و حقهم الدستوري و القانوني و الانساني في المشاركة السياسية ، غير أنه عند وضع هذا الموضوع عند مشرحة البحث السياسي و الاجتماعي و الحقوقي ايضا ،  ستتبدى لنا العدديد من الاسئلة الحقيقية التي تفرض نفسها ، و  التي يمكن أن تساهم من بعد علمي و واقعي في رسم ملامح عن أن أي مغاربة العام نتحدث اليوم ؟ ، و عن أي مشاركة سياسية نريد ; نبتغيها و يستحقها بعد هذا الحيف الذي طال لمغاربة العالم اليوم بعد دستور الحقوق لسنة 2011 ؟

من هم مغاربة العالم اليوم ؟ و هل يجب علينا أن نعيد مراجعة تصوراتنا و قناعاتنا حول من هم مغاربة العالم اليوم ؟ وهل ينتمون إلى نفس الجيل وهل تختلف انتظاراتهم وتمثلاتهم للمشاركة السياسية؟ ، وهل ينظر ابناء جيل القرن 21 الى المشاركة تلك كما نظر إليها من سبقهم من الأجيال الى الهجرة ؟ وهل طبيعة الهجرة غير النظامية التي تؤثث مضيق جبل طارق وهي تنقل الشباب الى الضفة الأخرى ساخطا يائسا من أسباب العيش هنا ، هل تؤسس هاته الهجرة إلى وعي مواطن و مسؤول يشارك هنا ( اي في وطنه الام ) ؟ ،

ثم ماذا عن العرض الذي نقدمه نحن كاطراف ومنظمات سياسية لجعل هاته المشاركة فعالة وتلقائية خارج الاستغلال المناسباتي المقيت ، الذي صراحة يسيء لنا جميعا كفاعلين سياسيين و و يبخس الدور و التأثير الاقتصادي الذي تضطلع بها هذه الشريحة من المجتمع المغربي (تمثل نسبة المغاربة المقيمين بالخارج حوالي 15% من مجموع سكان المغرب أكثر من 6 ملايين مغربي و مغريبة موزعين في أكثر من 100  دولة في العالم )  ، و أيضا  الدور السياسي الكبير و الذي برز في الاونة الاخيرة على اثر المظاهرات العارمة التي عمت كل دول العالم دفاعا عن قضية المغاربة الاولى الصحراء المغربية   ، فألم يحن الوقت بعد لإعادة تقييم أدائنا كفاعلين سياسيين في موضوع إرساء روافع مواطنة و دامجة للمشاركة السياسية لمغاربة العالم ؟ أم نكتفي بإحصاء نجاحاتهم و نسبها إلينا .

فلا اعتقد أنه هنالك من يجادل في الدور الاقتصادي الهام الذي يضطلع به مغاربة العالم ،فهي تساهم بقسط كبير في إنعاش الاقتصاد المغربي بالعملة الصعبة ( ثاني مصدر للعملة الصعبة ) ، و في جلب الاستثمارات و انعاش القطاع السياحي …إلخ ، ومع ذلك لا زال مغاربة العالم  محرومين من حقوقهم الدستورية و الانسانية في  المشاركة السياسية في المؤسسات ، ولا يتم الحديث عنهم و عن تطلعاتهم إلا في مواسم الحملات الانتخابية ، ونظرا لهذه الأهمية العددية والاقتصادية حاولنا الغوص في الأسباب التي تعيق مشاركتهم في تسيير أمور بلادهم والتعبير عن آرائهم ومواقفهم كباقي المواطنين ، والواضح أنها ترجع إلى عوامل متعددة ومتداخلة مع بعضها البعض، تجد جذورها في غياب ارادة سياسية حقيقية ، وعجز الحكومات المتعاقبة والأحزاب اغلبية / و معارضة  عن صياغة قانون تنظيمي يسرع تنزيل مقتضيات و حقوق مكفولة بمقتضى القوانين الوطنية و الدولية ، في الوقت الذي يبقى موقف المعنين ضعيفا سواء كتنظيمات أو كأفراد .

و الجدير بالذكر ، أن مشاركة مغاربة العالم  في الحياة السياسية و الانتخابات خاصة ،  لم تكن وليدة اليوم حيث تم تخصيص خمسة مقاعد في الانتخابات البرلمانية للولاية التشريعية 1984-1992 للمغاربة القاطنين بالخارج، أجريت في خمسة دوائر كما حددها المرسوم رقم 2-54-515 المؤرخ في 17 ذي القعدة 1404 الموافق ل 16 غشت 1984، المتعلق بإحداث دوائر انتخابية خارج أرض الوطن، غير أنه سرعان ما تم التخلي عن هذه التجربة .

فالاكيد  أن  حق الجالية المغربية المقيمة بالخارج في الترشح والانتخاب وفي التمثيلية السياسية في المؤسسات المنتخبة، يعتبر مطلبا مشروعا و مؤسسا من الدستور و التراكم الذي شهده المغرب في مجال الحقوق و الحريات ، على اعتبار أن دستور 2011 كرس هذا الحق من خلال تنصيص الفصل 17 منه على “تمتع المغاربة المقيمين في الخارج بحقوق المواطنة كاملة بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات، وإمكانية تقديمهم ترشيحات تهم الانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية المحلية والجهوية والوطنية، و أيضا من خلال الفصل 18 من الدستور الذي أكد  على ضرورة أن “تعمل السلطات العمومية على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين في الخارج، في المؤسسات الاستشارية، وهيئات الحكامة الجيدة، التي يحدثها الدستور أو القانون ” ، كما أن هذا الموضوع كان محط اهتمام و عناية  ملكية عبر عنها في العديد من المناسبات و الذي أكد على ضرورة تمثيل مغاربة العالم في البرلمان ترسيخا لثقافة المواطنة ،  أبرزها الخطاب الملكي المؤرخ في 6 نونبر لسنة 2005 ، و  الخطاب الملكي للذكرى الثلاثين للمسيرة الخضراء،  و الذي خصص حيِّزا هاما للموضوع من خلال حثه على ضمان تمثيلية عادلة للجالية المغربية بالخارج في البرلمان، داعيا بذلك إلى تمكين المغاربة المقيمين بالخارج من تمثيلهم، عن جدارة واستحقاق، في مجلس النواب، بكيفية ملائمة وواقعية وعقلانية.

لا غرو ان النسق السياسي المغربي بأعطابه المتعددة لم يتجاوز بعد الاستغلال المناسباتي الفج لمثل هذه الموضوعات ، و لم يتجاوز في تفاعله معها من مجرد اجراءات موسمية إلى بناء سياسة عمومية دامجة و ضامنة لاليات المشاركة المواطنة لمغاربة العالم ، و اعتقد أنه لم يعد مسموحا بتأجيل الحسم في هذا الموضوع ، وفي تحمل الجميع (مؤسسات الدولة المختلفة و الاحزاب ) مسؤولياتها و انصاف هذا الجزء من المجتمع الذي اعطى الكثير و مايزال للاقتصاد و المجتمع المغربي ،فمغاربة العالم اليوم و بعد أكثر من عقد من الزمن من تعاقد المغاربة على دستور 2011 ، يستحقون اعتذارا غير قابل للتأويل ، لأننا لم نقم بما يلزم من أجل تنزيل و ترسيخ حقهم في المشاركة السياسية كحق دستوري كامل غير قابل للتأجيل ،  فالجميع ” مؤسسات الدولة و مؤسسات الوساطة ” مطالب اليوم  :

Ad image

– فتح ورشات الاستماع الموسعة مع مغاربة الخارج لتحيين رؤية الفاعل الحزبي محليا عبر استشراف انتظاراتهم و طموحاتهم علاقة بالمشاركة السياسية .

– تحمل الاحزاب لمهمة بناء برامج عمل دامجة لمغاربة العالم و رفع تمثيليتهم داخل الاجهزة المقررة .

– بناء قنوات التواصل الدائمة و الفعالة مع مغاربة العالم بعيدا عن التعاطي الموسمي و المناسباتي .

Ad image

– تجويد العرض الحزبي و ملاءمته مع متطلبات و انتظارات كل أجيال مغاربة العالم .

فاعل حقوقي وسياسي

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.