كيف يمكن لاسمك ان يؤثر على شخصيتك؟

  • بتاريخ : ديسمبر 13, 2024 - 5:30 م
  • الزيارات : 27
  • قلم الناس: متابعة

    غالبا ما تكون الأسماء التي يختارها لنا الآباء والأمهات أول ما يعرفه الآخرون عنّا، لكننا ربما لا ندرك أن لهذه الأسماء تأثيرا غير متوقع على نظرة الآخرين لنا.

    ربما تكون قد أمعنت النظر في الطرق المختلفة التي شَكَّلَ بها والداك شخصيتك، بدءا من إبدائهما الحنو أحياناً والصرامة في أحيان أخرى، مروراً بسخائهما في العطاء، ووصولا إلى تعاملهما معك بحزم ذي طابع عنيف في بعض الأوقات. لكنك ربما لم تفكر كثيراً في تبعات أحد أهم ما وهبه والداك لك، ألا وهو اسمك، وما إذا كان يروق لك أم لا، وكيف يراه المحيطون بك.

    على أي حال، ليس من اليسير على الوالديْن اختيار اسم لطفلهما، فالأمر ينطوي على معاناة ما، وقد يبدو كما لو كان اختباراً لقدرتهما على الابتكار أو الابداع، أو وسيلة للتعبير عن طبيعة شخصيتيهما أو هويتيهما، من خلال نسلهما. لكن الكثير من الآباء والأمهات، ربما لا يدركون أن الاسم الذي سيختارونه لطفلهما، يمكن أن يلعب دوراً في تشكيل الطريقة التي ينظر الآخرون له بها، وأنه سيؤثر على نوع الشخصية التي سيكتسبها الابن في ما بعد.

    يقول ديفيد تسو، عالم النفس في جامعة أريزونا الأمريكية، الذي يجري دراسات حول ما يُعرف بعلم النفس المتعلق بالأسماء، إن “الاسم يشكل ركيزة أساسية للغاية للتصور الذي يكوّنه المرء عن ذاته، خاصة على صعيد علاقاته بالآخرين، وذلك لأنه يُستخدم لتعريف الفرد والتواصل معه بشكل يومي”.

    لا ينفي ذلك بطبيعة الحال، أن هناك الكثير من العوامل التي تحدد طبيعة شخصية كل منّا. من بين ذلك، أمور ذات صلة بجيناتنا، بجانب التجارب التي نخوضها وتُساعد على تكوين خبراتنا وشخصيتنا، فضلا عن دور من نقضي وقتنا معهم، علاوة على ما ينجم عن الأدوار، التي نضطلع بها في الحياة الشخصية والمهنية.

    وفي خضم كل هذه العوامل والآليات المؤثرة في شخصية المرء، يسهل علينا أن ننسى الدور الذي يلعبه اسمه في هذا الشأن، مع أنه يُخلّف تأثيرا شخصيا للغاية، يُفرض علينا عادة من الميلاد وحتى الممات، ما لم نتكبد عناء تغييره. ولعل هذا ما حدا العالم غوردون أولبورت، أحد مؤسسي علم نفس الشخصية، للقول في عام 1961 إن “اسم المرء يظل الدعامة الأهم، لهويته الذاتية طيلة حياته”.ومن شأن الأسماء أن تكشف – على مستوى أولي – تفاصيل عن العرق الذي ينتمي له المرء، أو جوانب أخرى ترتبط بخلفيته، وهو ما ينطوي على تبعات حتمية، في عالم يحفل بالانحيازات القائمة على العوامل ذات الصبغة الاجتماعية.

    ومن الأمور الدالة على ذلك، ما كشفت عنه دراسة أمريكية أُجريت في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، من أن السير الذاتية التي احتوت على أسماء تبدو عربية، كانت أقل فرصاً خلال عمليات التوظيف، من نظيرتها المماثلة لها تماما في البيانات، والتي أوحت الأسماء الواردة فيها، بأن أصحابها من الأمريكيين بيض البشرة.

    ويشكل ذلك أمراً مجحفاً على الكثير من المستويات، خاصة وأن الأسماء يمكن أن تمثل مؤشراً لا يمكن الوثوق في دقته، في ما يتعلق بما تكشفه عن خلفية أصحابها.

    ومع أنه لا يجدر بنا الاستخفاف بعواقب مثل هذه الأمور؛ فإن التأثيرات المترتبة على الأسماء، لا تقتصر على كونها تشي بجانب من التفاصيل الخاصة بالخلفية العرقية أو الدينية أو الثقافية لمن يحملونها. فحتى بين أبناء الثقافة الواحدة، يمكن أن تنقسم الأسماء بين شائعة ونادرة، وقد تحمل كذلك في طياتها دلالات إيجابية أو سلبية وفقا لمعانيها. كما يمكن للآخرين اعتبارها جذابة أو غير مسايرة للموضة، أو حتى بغيضة ومكروهة، وهي رؤى قابلة للتغير عبر الزمن أيضاً.

    وبالتأكيد، أن تؤثر الصفات التي تنطوي عليها أسماؤنا، على الكيفية التي يعاملنا بها الآخرون، وطبيعة شعورنا نحن، حيال أنفسنا أيضا.

    وفي العقد الأول من القرن الجاري، أجرت عالمة النفس الأمريكية جين توينغي دراسة، كشفت عن أن من لا تروق لهم أسماؤهم، تتدنى قدرتهم على التوافق النفسي على الأرجح، وذلك مع تثبيت العوامل الأخرى المرتبطة بالخلفية الأسرية والإحساس بعدم الرضا عن الحياة بوجه عام.

    وأشارت توينغي والباحث الذي شاركها إعداد هذه الدراسة، إلى أن العجز عن التوافق النفسي بشكل كامل في هذه الحالة، يعود إما لأن قلة الثقة في النفس واحترام الذات التي يعاني منها هؤلاء جعلتهم يكرهون أسماءهم، أو لأن بُغضهم لهذه الأسماء أسهم في افتقارهم للثقة في أنفسهم، باعتبار أن “الاسم يشكل رمزا للذات” بالنسبة لكل منّا.

    وإذا أردنا التعرف على الكيفية التي يمكن أن يؤثر بها اسم المرء على الطريقة التي يعامله بها الآخرون، يمكننا أن نشير في هذا الشأن إلى دراسة ألمانية نُشِرَت عام 2011، وسُئِلَ فيها مستخدمو أحد مواقع المواعدة، عما إذا كانوا سيمضون قدما على طريق مواعدة مستخدمين آخرين، بناء على أسمائهم من عدمه.

    ووجد الباحثون القائمون على الدراسة، أن الأشخاص الذين يحملون أسماء اعتُبِرَت في ذلك الوقت لا تساير العصر أو الموضة، مثل كيفِن مثلا، كانوا أكثر عرضة للرفض، وذلك مقارنة بآخرين كانت أسماؤهم، تبدو ذات طابع عصري أكبر حينذاك، كـ “ألكسندر”.

    وإذا اعتبرنا أن موقف المواعدة هذا، يمثل مؤشرا على الكيفية التي يُعامل بها المرء في حياته على نطاق واسع، فإن من اليسير علينا أن نرى من هذا المنظور، الكيفية التي يمكن أن تكون أسماء هؤلاء، قد صاغت من خلالها الشاكلة التي عوملوا بها من جانب الآخرين بشكل عام، وكذلك ما يترتب على ذلك من تأثيرات على طبيعة شخصياتهم هم أنفسهم.

    وكشفت دراسة أخرى أُجريت في ألمانيا كذلك، أن أفراد عينة البحث، كانوا أقل استعداداً لمساعدة الغرباء عنهم إذا كانوا يحملون أسماءً ذات تصنيف سلبي، مقارنة بأولئك الذين تُصنّف أسماؤهم إيجابيا. وبحسب الدراسة، كان سيندي وشانتال أكثر الأسماء التي صُنّفت سلبياً، بينما تم تصنيف صوفي وماري، على أنهما أكثر اسمين حظيا بتصنيف إيجابي.

    ومن هنا بوسعك أن تتصور أنه سيكون من العسير على شخص ما، أن يكون ذا شخصية ودودة تحظى بالثقة، إذا كان يُقابل برفض متكرر من جانب الآخرين، بسبب اسمه.

    وقد عزز جانب آخر من الدراسة، التي أُجريت على مستخدمي مواقع المواعدة، هذه الفكرة. إذ أوضح أن المستخدمين ذوو الأسماء التي لم تبد عصرية للآخرين، وقوبلوا بالرفض منهم بشكل أكبر نتيجة لذلك، كانوا أقل تعليما ويشعرون بقدر أقل من احترامهم لذواتهم، بما جعل الرفض الذي لاقوه على مواقع المواعدة، يبدو انعكاسا لمسيرتهم في الحياة بشكل عام.

    وقد أشارت دراسة أخرى، إلى أضرار أن يكون للمرء اسم يتسم بطابع سلبي أو لا يحظى بالشعبية والجماهيرية.

    وشهدت الدراسة، التي أجراها الباحث واشين كاي وزملاؤه في معهد علم النفس ببكين، تحليل أسماء مئات الآلاف من الأشخاص، والنظر في احتمالات تورطهم في اقتراف جرائم. وكشفت الدراسة عن أن من يحملون أسماء اعتُبِرَت أقل شعبية أو ذات دلالات سلبية بشكل أكبر، زادت احتمالات أن يكونوا قد ضلعوا من قبل في ارتكاب جرائم.

    ويمكن اعتبار هذه النزعة صوب التصرف على نحو إجرامي، بمثابة أمر ملازم لمن لا تحظى شخصياتهم بقبول كبير من جانب المحيطين بهم. ولنُشِرْ هنا مرة أخرى إلى اتساق ذلك مع الفكرة التي تفيد بأن الاسم الذي يبدو سلبيا أو لا يحظى بالشعبية، يجعل صاحبه مهيئأً لأن يلقى الرفض الاجتماعي، ويزيد من خطر اكتسابه شخصية بغيضة، في نظر من حوله.

    ويقول الباحث كاي إن وجود كل هذه التبعات المحتملة لأسمائنا، يعود إلى أنها قد تؤثر على طبيعة الشعور الذي نُكِنّه حيال أنفسنا، وعلى الطريقة التي نُعامل بها من جانب الآخرين. ويضيف بالقول: “نظرا لأن هناك تبعات تترتب على كل اسم، وأن حمل هذا الاسم أو ذاك قد يفضي إلى نتائج إيجابية أو سلبية، اقترح أن يجرب الوالدان كل الطرق والسبل، التي تكفل لهما اختيار الاسم المناسب لطفلهما في إطار ثقافتهما”.

    ورغم أن الدراسات التي أُجريت حتى الآن، تتمحور حول التبعات السلبية المحتملة، لأن يكون للمرء اسم لا يحظى بالشعبية أو ذو طابع سلبي، فإن بعض النتائج التي تم التوصل إليها في الآونة الأخيرة، أشارت أيضا إلى إمكانية وجود فوائد كذلك للأسماء.

    فإذا كان اسمك يُنطق على نحو أيسر ويتدفق على الألسنة بشكل أكبر، مقارنة بأسماء أخرى تبدو ثقيلة على اللسان، سيعني ذلك أن الناس سيميلون، لأن يحكموا عليك مسبقا بأنك صاحب شخصية ودودة وأكثر قبولا، بكل ما قد يعود به عليك ذلك من منافع.

    بجانب ذلك، فرغم أن الاسم الأقل شيوعا يمكن أن يكون غير ذي فائدة لك في الأجل القصير، باعتبار أنه يزيد من خطر الرفض الاجتماعي لك ويقلل من إعجاب الآخرين بك، فإنه قد يفيدك على المدى الطويل، إذ يولد فيك إحساسا بتفردك عمن حولك.