قلم الناس: متابعة
تسهم حياتنا الصاخبة والمرهقة في تعزيز شعورنا بالحرمان من النوم، ولكن ماذا لو عرفت أن أفكارنا الذهنية هي المحدد لشعورنا بتجربة نوم جيدة ليلا أم لا؟
والسؤال كيف كانت تجربتك في النوم الليلة الماضية؟ فإذا كنت تتقلب في فراشك أو تحدق في الساعة، فمن المحتمل أنك ستشعر بعدم الراحة، ولكن هذا الشعور بالخمول والتعب قد لا يرجع فقط إلى عدد ساعات النوم أو ربما حتى جودته، بل يعتمد أيضا على أفكارك الذهنية، لأن كل ما تعتقده في اليوم التالي بشأن تجربة نومك وأهميته بالنسبة لك قد يؤثر في مقدار شعورك بالتعب.
تقول نيكول تانغ، مديرة مختبر “وارويك” للنوم والألم في جامعة وارويك في المملكة المتحدة: “الجميع يعرفون فكرة النوم الجيد وإيجابيته. ويفترضون أنها تعتمد على تجربة النوم ليلا، كما لو كان شيئا يمكن قياسه. بيد أن ما يحدث بعدها، وما يحدث قبلها مباشرة، يمكن أن يكون له تأثير أيضا”.
يرتبط عمل تانغ في هذا المجال بمجموعة أبحاث كثيرة تشير إلى أن النوم طوال الليل ليس هو المفتاح الوحيد للشعور بالانتعاش في صباح اليوم التالي، إذ تقول تانغ وزملاؤها إن تصورنا للنوم، وحالتنا المزاجية عند تقييم شعورنا بالتعب وما نفعله في ذلك الوقت يمكن أن يحدث فرقا.إن فكرة تأثير الحالة الذهنية بشكل مباشر على تجربة النوم ليست فكرة جديدة، إذ أثبتت عقود من الدراسات أن الحالة النفسية في الواقع هي الدافع الرئيسي وراء الشعور بالأرق، ويتقطع النوم عندما نعاني من شيء يحفز حالتنا النفسية، وهي غالبا مجموعة أفكارنا ومعتقداتنا وطريقة تركيز انتباهنا
وعلى الرغم من ذلك يفترض كثيرون أنه إذا شعرنا بالتعب، فذلك لأننا ننام بطريقة سيئة، الأمر الذي يجعلنا نتقلب طوال الليل، عاجزين عن الاستسلام لنوع النوم المريح الذي نأمله جميعا.
وعلى مدار عشرات السنين حيّرت العلماء ظاهرة أُطلق عليها “الأرق المتناقض”. ويعرف كثيرون الأرق، ويعتقد الناس أنهم إذا مروا بتجربة نوم سيئة ليلا، فقد يدفعهم ذلك إلى الشعور بالتعب، وعلى الرغم من ذلك عندما يقيسون عدد ساعات النوم بشكل موضوعي، يكتشفون أنه في نطاق المعدل الطبيعي.
ولمزيد من التوضيح نقول إن الأرق ومخاطره المحتملة حقيقة لا جدال فيها، ولا ينكر أحد أنه إذا شعر أحد بالتعب دوما، فلا ينبغي إجراء أي تعديل على النوم، لكن فكرة أن الطريقة التي ننظر بها إلى ليلة نوم سيئة يمكن أن تغير مدى شعورنا بالتعب تعد من الأمور المهمة. وفي أفضل الأحوال يعني ذلك أنك قد تكون قادرا على الشعور باليقظة دون الحاجة إلى تسجيل ساعات إضافية من النوم.
قد يتعارض هذا النهج مع ما يُقال لنا دائما عن النوم، أي أن تسجيل عدد معين من ساعات النوم باستمرار، دون استيقاظ، أمر بالغ الأهمية للصحة، وهي إحدى الأفكار الرئيسية التي تتحكم في صناعة تبلغ قيمتها 78 مليار دولار وأكثر.
يقول الخبراء إن العلاقة الدقيقة بين عدد ساعات النوم وصحتنا على المدى الطويل لا تزال غير واضحة، وتميل دراسات إلى المزج بين الأمرين، حتى عندما نعثر على رابط بينهما. كما تسلط دراسات الضوء عموما على الصلة بين النوم والصحة، بدلا من طرح الأسباب.
بعبارة أخرى، قد تكون قلة النوم سبب المشكلة، أو قد تكون بسبب مشكلة أساسية تمنع شخصا من النوم بطريقة جيدة، فعلى سبيل المثال أولئك الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي، يعانون غالبا من تجربة نوم سيء للغاية.
ويقول ديفيد سامسون، عالم الأنثروبولوجيا التطورية ومدير مختبر النوم والتطور البشري في جامعة تورنتو، ومؤلف كتاب يصدر قريبا بعنوان “القرد الذي لا ينام: القصة الغريبة غير المتوقعة عن كيف جعلنا النوم الاجتماعي بشرا”، إنه خلص وزملاؤه، عن طريق الاستعانة بمقاييس موضوعية مثل قياس النشاط، الذي يراقب دورات النشاط والراحة، إلى أن الأشخاص في مجتمعات الصيد ينامون في الليل مدة تتراوح بين 5.7 و7.1 ساعة مقارنة بالمجتمعات الصناعية، كما أن نومهم أكثر تقطعا.
ويضيف سامسون أن ذلك لا يزعجهم، ويلفت من خلال دراسة مجموعتين في ناميبيا وبوليفيا، إلى أن أقل من 3 في المائة من الأشخاص الذين يبحثون عن الطعام يعانون من صعوبة النوم أو الاستمرار في النوم لساعات طويلة، وهي نسبة أقل من 30 في المائة التي سُجّلت في المجتمعات الصناعية، كما لم يعثر العلماء في لغة المجموعتين عن كلمة “الأرق”.
وعندما سألهم سامسون “هل هم سعداء بنومهم؟ هل هم راضون عن نومهم؟ هل ينامون جيدا؟”، قال 9.5 من 10 أشخاص “نعم، أحب نومي”. وعلى الرغم من ذلك، نعلم أن هؤلاء الباحثين عن الطعام في تلك المجتمعات الصغيرة ينامون ساعات أقل مقارنة بأولئك الذين يعيشون في الدول المتقدمة اقتصاديا.
ويضيف: “يردد الغرب مقولة مفادها أن البشر في الماضي لم يعانوا من الحرمان من النوم مقارنة بهذه الأيام”، ويقول إن هذا غير حقيقي وهراء.
يعد سامسون واحدا من الباحثين الذين يعارضون فكرة تحديد “قواعد” عالمية لعدد ساعات النوم الذي يجب أن نحصل عليه جميعا. وفي مقال أكاديمي حديث شكك باحثون في جامعة أوسلو في فكرة أننا نعاني من “وباء الأرق”، وأشاروا إلى أن تلك التجارب المعملية التي أثارت مخاوف من أن قلة النوم تؤثر على جودة الصحة تختلف تماما عن النتائج الواقعية.
ويقول الباحثون: “يجب اعتبار الحاجة إلى النوم ديناميكية، مع إمكانية التكيف والاستجابة للظروف البيئية، وهذا يعني أنه لا يوجد عدد ساعات مثالية من النوم للفرد في كل المواقف والأوقات. إن ساعات النوم تتفاوت بين الأشخاص كما تتأثر بالعوامل البيئية والثقافية والنفسية والفسيولوجية، ويجب أن تكون متوازنة مع الاحتياجات والاحتمالات المختلفة للسلوكيات”.
إرسال تعليق