قلم الناس: متابعة
يعد الشعير المستنبت من التقنيات الزراعية الحديثة التي برزت كخيار مبتكر وواعد لمواجهة تحديات الجفاف وندرة الموارد المائية، مع ضمان توفير أعلاف خضراء عالية الجودة لتغذية القطيع بكلفة منخفضة. وقد بدأت هذه التجربة تترسخ تدريجياً في عدة مناطق من المملكة، من بينها إقليم جرسيف، حيث يتم اعتماد هذه التقنية ضمن رؤية مستقبلية لتحقيق فلاحة ذكية ومستدامة.
ترتكز تقنية استنبات الشعير على زراعة الحبوب داخل وحدات مغلقة، دون الحاجة إلى التربة، وفي بيئة مضبوطة من حيث درجة الحرارة، والرطوبة، والإضاءة. وتُغسل الحبوب وتُطهر ثم تُنقع في الماء قبل أن توزّع في صوانٍ خاصة يتم ريّها بمياه نقية على فترات منتظمة، ما يتيح إنباتاً سريعاً خلال سبعة أيام فقط. ويتم تقديم الناتج كاملاً للماشية، بما يشمل الجذور والبذور والأوراق الخضراء، ما يعزز القيمة الغذائية للعلف ويغني عن الحاجة للأسمدة أو الإضافات الكيماوية.
وتبرز هذه التقنية كأداة فعالة لمواجهة انعكاسات التغير المناخي، من خلال تقليص استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 90 في المائة مقارنة بالزراعة التقليدية، فضلاً عن تسريع وتيرة الإنتاج وتقليص كلفته. كما أنها تتيح للفلاحين إنتاج العلف على مدار السنة، بشكل منتظم وآمن، حتى في الفترات التي تعرف شحاً في الموارد أو ارتفاعاً في أسعار الأعلاف بالسوق.
ومن النماذج الناجحة التي تعكس فعالية هذه التقنية، تجربة تعاونية “إمزداغ نمغران” بجماعة تادرت في إقليم جرسيف، التي تشرف على وحدة لإنتاج الشعير المستنبت يستفيد منها أكثر من 70 فلاحاً. هذه التعاونية التي تضم في عضويتها 33 متعاونا، من ضمنهم 15 امرأة، ساهمت بشكل ملموس في تحسين مردودية تربية الماشية، وتخفيف العبء الاقتصادي على الفلاحين، وتحقيق الأمن الغذائي للقطيع.
ويؤكد رئيس التعاونية أن المشروع عرف إقبالا واسعا، نظرا لما يقدمه من حلول عملية في مجال تغذية المواشي. إذ تنتج الوحدة، خلال فترات الذروة، أكثر من طن من الشعير المستنبت يومياً، وهو ما يساهم في تلبية الحاجيات المحلية من العلف، وتوفير تغذية متوازنة ترفع من خصوبة وصحة الأبقار والماشية عموماً، وتقلل من معدلات إصابتها بالأمراض.
ويتم إنجاز هذا النوع من المشاريع بتعاون بين الفاعلين المحليين والبرامج الوطنية، مثل برنامج “إحياء”، الذي يُعدّ جزءاً من استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030. وضمن هذا الإطار، ساهمت المديرية الإقليمية للفلاحة بجرسيف، بشراكة مع برنامج “إحياء”، في بناء وتجهيز وحدة الصفصفات لإنتاج الشعير المستنبت بكلفة بلغت 5.5 ملايين درهم، بطاقة إنتاجية تصل إلى طن يومياً، انطلاقاً من 200 كلغ من الحبوب.
ويُشكل هذا المشروع نقلة نوعية في سياق تبني تقنيات الزراعة العصرية، خاصة أنه يعتمد كلياً على الطاقة الشمسية، ما يُقلص من الانبعاثات الكربونية ويضمن استقلالية الطاقية. كما يستفيد الفلاحون من التكوين والمواكبة التقنية، في إطار برنامج يستهدف 350 مستفيداً من الفلاحين والكسابة الصغار، ويهدف إلى تعزيز قدراتهم وتحسين جودة الإنتاج.
إن إدماج تقنية الشعير المستنبت في سلاسل الإنتاج الفلاحي يشكل توجهاً ذكياً ومتأقلماً مع التحديات المناخية والاقتصادية، ويمثل فرصة ثمينة لتحقيق الأمن الغذائي الحيواني، وتخفيف التبعية لأسواق الأعلاف المستوردة، وتثمين الإمكانيات المحلية. غير أن توسيع نطاق هذه التجربة يظل رهيناً بتوفير شروط المواكبة، خاصة على مستوى التكوين، والتحفيز المالي، ونشر ثقافة الابتكار لدى الفلاحين الصغار، لضمان استدامة هذا النمط الزراعي المتطور وتعزيز أثره التنموي والاجتماعي.
إرسال تعليق