قلم الناس
على غرار ما تشهده مختلف أقاليم، أو بالأحرى بعض أقاليم المملكة، من تحديث لبرامج التنمية، بقي إقليم شفشاون وحيدًا، متفردًا في تعطيل عجلة التنمية، ومعزولًا عن الاستفادة من مختلف التجهيزات. كما لم تستفد مختلف الجماعات الترابية بالإقليم بشكل متكافئ لمعالجة الاختلالات التنموية (الطرق، المستوصفات، النقل المدرسي…)، بالرغم من بعض التدخلات القطاعية التي لم تُعطِ نتائج إيجابية.
وتراكم هذه الإكراهات التي لا تُطاق عبر مختلف مناطق الإقليم لا يزال ينعكس سلبًا على البيئة المحلية بمفهومها الواسع. ومن تجليات ذلك نجد معضلات؛ اهتراء الطرق الجهوية والإقليمية ومسالك الدواوير، نقص في خدمات المستوصفات الصحية، الماء والكهرباء، وخلل في تدبير النقل المدرسي بالمؤسسات التعليمية، ناهيك عن نقص في عدد من المرافق السوسيو-اقتصادية والاجتماعية والثقافية…
بالموازاة مع ذلك، نلاحظ غياب الدور الطلائعي الذي يفترض أن تلعبه الجماعات المحلية والمنتخبون في تدبير الشأن المحلي، بالإضافة إلى المجالس الإقليمية والجهوية، بل وممثلي البرلمان بالإقليم. فهذه المجالس المنتخبة كلها مدعوة اليوم إلى البحث عن السبل الكفيلة بإحداث تنمية شاملة بهذا الإقليم الذي أصبحت صرخاته لا تُسمع.
ولن يتم تدبير شؤون هذه المجالس إلا إذ توفرت على كفاءات بشرية واعية بمسألة تنمية المجال الترابي، إضافة إلى موارد مالية كفيلة بترجمة المخططات والمشاريع المبلورة من طرف هذه المجالس. وباعتبار أن هذا الإقليم الجبلي يُشكل بنية مركزية للتراب، فإن الوقوف على مظاهر التدهور والتهميش والهجرة التي تطال جميع جوانب حياة السكان بهذا الإقليم المنكوب، يجعل من هذه العناصر إشكالية شديدة التعقيد، ويُظهر اختلالًا في تنزيل المخططات التنموية.
هذه الأوضاع التي يعيشها إقليم شفشاون في الوقت الراهن تُعد حصيلة ضعف النخب وسوء تمثيلها داخل الجماعات الترابية والمؤسسات التشريعية، مما أدى إلى اختلال التوازنات السياسية والعلاقات الاجتماعية وتوالي السلط، بالإضافة إلى تضارب المصالح بين القوى السياسية بهدف الاستفادة من الريع الترابي وحصد أصوات الساكنة لا غير. بذلك يتبين أن تدبير الشأن المحلي لا يزال يتسم بقصور كبير، ومن تجليات ذلك أن المرفق العام لا يزال يعاني من نقص واضح، لا سيما عندما يتعلق الأمر بقطاعات حيوية؛ التعليم الأولي والمؤسسات التعليمية، والصحة من حيث جودة الخدمات وفعاليتها وقربها ونوعها، الطرق والنقل المدرسي، وقطاعات أخرى (المناطق السياحية والأنشطة الفلاحية…).
وفي محاولة لفهم العلاقة التي تربط الساكنة بمختلف الفاعلين السياسيين داخل الإقليم، فإنها غالبًا ما تتسم بالتنافر، فغياب الثقة وُيبقى دورهم ذا طابع انتقائي، مع فشل العديد من المشاريع، وغياب التواصل الفعال، مما يُوحي بضرورة إعادة النظر في السياسة المتبعة، والابتعاد عن النزاعات السياسية المصلحية. وقد تترتب عن هذه الوضعية الشاذة مظاهر تهميش تطال جميع جوانب الحياة الاجتماعية والتدهور السوسيو-اقتصادي بإقليم شفشاون.
إذا تُعد إشكالية ضعف الحكامة الترابية في إقليم شفشاون نتيجة مباشرة لتعاقب نخب محلية تفتقر في كثير من الأحيان إلى التأهيل المعرفي والمؤهلات الضرورية لتدبير الشأن المحلي بكفاءة. هذا القصور ينعكس سلبًا على قدرة المجالس المنتخبة في تحليل القضايا التنموية المطروحة، واقتراح حلول ناجعة لها، كما يؤثر على نوعية وفعالية تدخلاتها الميدانية، ويُضعف من قدرتها على ترجمة البرامج إلى واقع ملموس يخدم مصالح الساكنة.
وبهذا الخصوص، فإن موقع هذا الإقليم في مجال السياسة الترابية وجودة الحكامة الترابية وخلق بيئة تنموية، يُبيِّن أن إقليم شفشاون أفرز من خلال سياسة الأحزاب الممثلة أعطابًا اقتصادية عدة، أرخت بظلالها على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، مما يستوجب من الجهات المختصة والمسؤولة تبني خطوات تصحيحية لكل هذه الاختلالات، وتأهيل المحيط الاجتماعي داخل هذا الإقليم، وإطلاق مشاريع بنيوية جديدة، قادرة على إعادة الأمل، وإشراك الساكنة في تشخيص واقع احتياجاتها، طمعًا في تحقيق التنمية.
ما يعني أن تجاوز كل هذه الإخفاقات يقتضي اعتماد سياسة جبلية رشيدة وفعالة في إجراءاتها، ورفع من مستوى النخب المحلية، يعدان شرطين لتجاوز هذا الانزلاقات التنموية، وتحقيق تنمية مستدامة تُنهي عزلة شفشاون وتُعيد لها صوتها المفقود.
















إرسال تعليق