قلم الناس
نبيل الرماش
يشير الخبير الاقتصادي ورئيس المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، رشيد الساري، إلى أن المغرب تبنى خلال أكثر من ربع قرن مقاربة تجعل من البنية التحتية أداة استراتيجية لتحقيق العدالة المجالية، وتحفيز الاستثمار، وخلق فرص الشغل. ويؤكد أن كل مشروع أُطلق كان موجهاً لخدمة أهداف تنموية كبرى ضمن رؤية استشرافية متكاملة،وهذا يؤكد انه منذ تولي جلالة الملك محمد السادس عرش اسلافه الميامين في يوليوز 1999، شرع المغرب في مسار تنموي شامل يرتكز على رؤية استراتيجية بعيدة المدى، جعلت من تطوير البنية التحتية إحدى الركائز الأساسية للنهوض الاقتصادي والاجتماعي، وترسيخ طموح وطني لتبوؤ مكانة مرموقة ضمن الدول الصاعدة.
تحولات كبرى على مستوى البنية التحتية للمغرب
تعد البنية التحتية المحور الذي شهد تحولات جذرية، عبر تحديث شبكات الطرق، وتطوير الموانئ والمطارات، وتعزيز البنية الرقمية والطاقية، مما جعلها اليوم عمادا حيويا يعزز جاذبية الاقتصاد الوطني ويربط المغرب بمحيطه القاري والدولي.
في مجال الطرق:
أولى المغرب أهمية كبيرة لشبكة الطرق باعتبارها شرياناً أساسياً لحركة الأشخاص والسلع، ومحركاً للديناميات الاقتصادية المحلية. فقد ارتفع طول شبكة الطرق السيارة من بضع مئات من الكيلومترات في التسعينيات إلى 1800 كيلومتر، فيما تجاوزت الطرق السريعة 2177 كيلومترًا، والشبكة الوطنية تخطت 57 ألف كيلومتر منها أكثر من 45 ألف كيلومتر معبدة.
ويشكل الطريق السريع تزنيت–الداخلة، بطول 1055 كيلومترا وتكلفة 9 مليار درهم، نموذجاً بارزاً لتقليص الفوارق المجالية وربط الأقاليم الجنوبية بباقي جهات المملكة، ويحمل بعدا استراتيجيا مهما على المستوى القاري، خصوصا في ظل التوجه نحو ميناء الداخلة الأطلسي الجديد.
إن الهدف من المشروع لم يقتصر على تقليص الزمن التنقلي فحسب، بل كان إنشاء اقتصاد محلي مستدام حول هذه المحاور، عبر جذب الاستثمارات وتحفيز سلاسل الإنتاج والخدمات، مع ربط الشبكات الطرقية بالموانئ والمناطق الصناعية لتعزيز القدرة التنافسية التصديرية.
و من المشاريع الجارية نجد توسعة محاور الدار البيضاء – برشيد والدار البيضاء – الرباط، بالإضافة إلى الطريق السيار جرسيف – الناظور، الذي يمتد على 104 كيلومترات بتكلفة 7.9 مليار درهم، ويرتبط بميناء الناظور غرب المتوسط.
ومع اقتراب استضافة المغرب لكأس العالم 2030، أطلق برنامج تأهيل الطرق في 30 مدينة، بغلاف استثماري يقدر بـ12.5 مليار درهم، إلى جانب ميزانية صيانة سنوية تبلغ 3 مليارات درهم.
قطاع النقل السككي:
شكل إطلاق القطار فائق السرعة “البراق” سنة 2018 محطة فارقة في تحديث منظومة النقل، حيث قلص زمن الرحلة بين طنجة والدار البيضاء من 5 ساعات إلى ساعتين و10 دقائق بسرعة تصل إلى 320 كيلومترًا في الساعة، واستثمار بلغ حوالي 23 مليار درهم.
ويمثل مشروع “البراق” حجر الزاوية في مخطط أوسع لتوسيع شبكة القطارات يشمل تحديث الأسطول، وتحسين الخدمات، وتوسيع الربط بين المدن، والانتقال نحو نماذج نقل مستدامة، مع تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة.
وفي أبريل 2025، أعطى جلالة الملك الانطلاقة الرسمية لأشغال خط القنيطرة – مراكش، بطول 430 كيلومترًا وسرعة تصل إلى 350 كيلومترًا في الساعة، باستثمار يناهز 53 مليار درهم، ضمن برنامج عام بقيمة 96 مليار درهم يشمل شراء 168 قطارا وتجديد الشبكة وتعزيز الربط الحضري.
خلق الاف فرص للشغل
وتحدث هذه المشاريع آلاف فرص الشغل المباشرة وغير المباشرة، وتسهم في جذب الاستثمارات وتحقيق تنمية مستدامة، كما أن النقل السككي فائق السرعة يعد وسيلة نقل منخفضة الانبعاثات، متماشياً مع أهداف الانتقال الطاقي والتنمية البيئية.
مجال الموانئ:
فقد شهدت الموانئ المغربية نهضة نوعية جعلتها مراكز لوجستية محورية على الصعيدين الإفريقي والعالمي، حيث يعد ميناء طنجة المتوسط أبرزها، إذ صنف في 2023 كالرابع عالميًا من حيث الربط البحري، والأول إفريقيًا في مناولة الحاويات بأكثر من 10 ملايين حاوية سنويًا.
ويعد ميناء طنجة المتوسط منصة صناعية متكاملة تحتضن مئات الشركات وتوفر آلاف فرص العمل، ويرتبط بشبكة دولية تضم 180 ميناء في 70 دولة، مما يعزز موقع المغرب كمركز للتصدير وجذب الاستثمارات.
وفي الجنوب، يبرز ميناء الداخلة الأطلسي قيد الإنجاز كمنصة للتكامل الإفريقي ورافعة لتنمية الجهة، يساهم في خلق ما بين 80 إلى 100 ألف فرصة عمل، ويعكس رؤية الملك لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين المغرب والدول الإفريقية.
كما يجري إنجاز مشروع ميناء الناظور غرب المتوسط، المتوقع دخوله حيز الخدمة نهاية 2026، بهدف تخفيف الضغط على ميناء طنجة المتوسط ومواكبة التنمية الصناعية للجهة، مع استثمارات متوقعة تفوق 80 مليار درهم وخلق حوالي 100 ألف منصب شغل.
وقد شهدت موانئ أخرى مثل الدار البيضاء والجرف الأصفر وآسفي عمليات تحديث تشمل الأرصفة وربطها بشبكات الطرق والسكك الحديدية، إضافة إلى تطوير بنيتها الرقمية.
مجال المطارات:
يشمل برنامج “مطارات 2030” رفع الطاقة الاستيعابية من 30 إلى 80 مليون مسافر سنويًا، مع توسعة مطار محمد الخامس ليصل إلى 40 مليون مسافر بحلول 2029، ومراكش المنارة إلى 16 مليون بحلول 2028، إلى جانب تحديث مطارات أكادير وطنجة وفاس والرباط.
ويرتبط هذا التطور بتوسيع أسطول الخطوط الملكية المغربية إلى 100 طائرة بحلول 2030، مما يعكس الطموح لتحويل المغرب إلى منصة جوية محورية إفريقيًا وعالميًا، خاصة في ظل الاستعدادات لاستضافة كأس العالم 2030.
ويمثل عهد جلالة الملك محمد السادس مرحلة تحول استراتيجي عميق، حيث أصبحت البنية التحتية أداة موجهة لخدمة أهداف التنمية المستدامة والاندماج الاقتصادي، تشمل بناء 149 سدًا ضمن خارطة مائية باستثمار 141 مليار درهم، وتعزيز البنية الصناعية عبر مناطق التسريع، والتحول الرقمي نحو شبكة الجيل الخامس، إضافة إلى مشاريع رياضية وسياحية استثنائية في أفق مونديال 2030.
















إرسال تعليق