ماذا يجني المغرب من الفوسفاط؟

قلم الناس : متابعة

يسجل المغرب، للعام الثاني، عائدات قياسية من صادرات الفوسفاط، الذي تملك المملكة أكبر احتياطي عالمي منه، مستفيدا من ارتفاع الطلب عالميا على الأسمدة، ما يعزز أيضا مكانة هذه الثروة الطبيعية كورقة رابحة للدبلوماسية المغربية، بحسب مراقبين.

والمغرب الذي يملك سبعين بالمئة من احتياطي الفوسفاط العالمي، أول منتج له في أفريقيا، والثاني في العالم بعد الصين.

وتمثل حصة المملكة من السوق الدولية حوالى 31 بالمئة، بحسب “المجمع الشريف للفوسفاط” الذي يحتكر استغلال وتصنيعه.

ويتوقع أن يرتفع رقم أعمال المجمع نهاية العام بنسبة 56، بالمئة مقارنة مع العام الماضي، ليصل إلى أكثر من 131 مليار درهم (نحو 12 مليار دولار)، بعدما سجل ارتفاعا نسبته 50 بالمئة بين 2020 و2021.

والفوسفاط مهم لصنع الأسمدة وتزايد الطلب عليها، مقابل عرض محدود بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19 ثم الحرب في أوكرانيا.

ويوضح الخبير في السياسات الزراعية، عبد الرحيم هندوف، أن هذا ما يجعل من الفوسفاط “مادة استراتيجية، إذ يتزايد الطلب على الغذاء بتزايد سكان العالم من دون أن تتزايد المساحات المزروعة”، وفق ما نقلت “فرانس برس”.

ويضيف أن هذا “يجعل من الأسمدة الوسيلة الأنجع لرفع مردودية المزارع”، مشيرا إلى أنه “في أفريقيا وحتى بعض البلدان المتطورة، لا تزال هذه المردودية ضعيفة، نظرا للافتقار للأسمدة، لذلك سيتزايد الطلب عليها مستقبلا”.

وحذر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، هذا العام، من أن “وفرة الأسمدة دوليا تظل محدودة (..) والتوترات الجيوسياسية يمكن أن تفرض قيودا جديدة على العرض في المدى القصير”.

ونظرا لهذا التوتر، ارتفعت صادرات المغرب من الفوسفات، حتى أواخر سبتمبر، بنسبة 66.6 بالمئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بقيمة تفوق 91 مليار درهم (نحو 8 ملايين دولار)، وفق آخر نشرة لمكتب الصرف (رسمي).

ويعزو الخبير في القطاع، منير حليم، هذه الأرقام القياسية في الأساس إلى الإقبال الكبير على الأسمدة خلال فترة الخروج من الجائحة، ثم العقوبات التي فرضت على الصادرات الروسية.

كما يشير إلى “القيود الصارمة التي وضعتها الصين على صادراتها، علما أنها مصدر رئيسي لهذه المادة، وارتفاع الطلب من جانب الهند، أحد أكبر المستوردين عالميا”.

ويراهن المغرب على الاستفادة من احتياطيه الضخم لزيادة إنتاجه من الأسمدة. فقد رفع المجمع طاقته الإنتاجية من 3.4 مليون طن في 2008 إلى 12 مليون العام الماضي. ويتوقع أن تبلغ 15 مليون طن عند نهاية العام 2023.

وأعلن الديوان الملكي في بيان، السبت، عن مخطط استثماري يطمح إلى “الرفع من قدرات إنتاج الأسمدة، مع الالتزام بتحقيق الحياد الكربوني قبل سنة 2040”.

ويهدف هذا البرنامج، الذي خصص له نحو 12 مليار دولار، إلى تزويد جميع المنشآت الصناعية للمجمع بالطاقة الخضراء في أفق العام 2027.

ويستغل المجمع 4 مناجم، يمثل أحدها في الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو)، نحو 8 بالمئة من مجموع الإنتاج.

بموازاة طموحه إلى رفع إنتاج الأسمدة، كثف المجمع حضوره الدولي في الأعوام الأخيرة، خصوصا في أفريقيا، حيث يملك فروعا في 16 بلدا، بينها مشروع لإنشاء مصنع للأسمدة في نيجيريا افتتح مؤخرا، وآخر أعلن عن اتفاق لإنشائه في إثيوبيا في سبتمبر.

كما أعلن مؤخرا أنه سيخصص العام المقبل أربعة ملايين طن من الأسمدة “لدعم الأمن الغذائي في أفريقيا”. وهذا بعدما أرسل نحو 500 ألف طن إلى دول أفريقية هذا العام، إما مجانا أو بأسعار مفضلة.

دبلوماسية الفوسفاط

تصف وسائل إعلام محلية نشاط المجمع خلال الأعوام الأخيرة “بالورقة الرابحة للدبلوماسية المغربية” على حد تعبير صحيفة “لوبينيون”، أو “الذراع الاقتصادية للدبلوماسية المغربية”، حسب صحيفة “إيكونوميست” التي تساءلت “هل سيصبح المغرب متحكما في السوق مستقبلا؟”.

وتركز المملكة كل جهودها الدبلوماسية على حسم نزاع الصحراء الغربية لصالحها. ويحضر الفوسفاط أحيانا في هذا السياق.

فقد أشار وزيرا خارجية المغرب وغواتيمالا في بيان مشترك في سبتمبر إلى “التركيز على الفلاحة والأسمدة” في التعاون بين البلدين، مع تجديد الأخير التأكيد على دعم الموقف المغربي من نزاع الصحراء الغربية.

وذكرت وسائل إعلام أن المغرب تراجع في سبتمبر عن تصدير شحنة من خمسين ألف طن من الأسمدة إلى بيرو، بعدما تراجع الأخير عن سحب اعترافه بالجمهورية العربية الصحراوية التي أعلنتها بوليساريو من جانب واحد.

لكن الصفقات والاستثمارات التي يعلن عنها المجمع لا ترتبط تلقائيا بتغيير مواقف شركائه من نزاع الصحراء الغربية.

ويوضح الخبير في العلاقات الدولية تاج الدين حسيني أن المغرب “يوظف في الأعوام الأخيرة أذرعه الاقتصادية بطريقة براغماتية بعيدة عن منطق المساومة (..) وعندما تتعمق العلاقات الاقتصادية سيكون لها أثر سياسي”.

بشكل عام أطلق المغرب في السنوات الأخيرة سياسة طموحة لتعزيز مكانته في أفريقيا عبر تعزيز حضوره الاقتصادي في عدد من البلدان.

وأشار المحلل السياسي نوفل البعمري إلى أن هذه السياسة تشمل أيضا “البلدان التي كانت مناوئة للمغرب بخصوص قضية الصحراء، على أساس الربح المشترك وربما تغيير مواقفها في المستقبل”.

عن: الحرة