طارق ليساوي يكتب :حكومة أخنوش بين مطرقة الأزمات الداخلية وسندان المتغيرات الدولية

كان في نيتي استكمال مقال “على خلفية زيارة بايدن لبلاد الحرمين : لماذا لا يتعلم العرب من أخطائهم؟” لكن إستجد مستجد عاجل جعلني أغير سلم أولويات الكتابة لهذا اليوم، خاصة و أن الصحافة هي تعبير عن نبض الناس و معاناتهم ، و بالصحافة الجادة نغير من أهمية الخبر و الحدث، فقد تلقيت بالأمس رسالة من أحد الأصدقاء الافاضل الذين أتق فيهم متوجها إلى برنامج “إقتصاد ×سياسة ” يطلب فيها من طاقم البرنامج ، و تحديدا من كاتب المقال إثارة موضوع الحرائق التي مست بعض القرى و المداشر بشمال المغرب…و قد كانت هذه الرسالة مفاجئة لي شخصيا ، فأنا متابع للأخبار و لم أجد إهتمام كبير بالحرائق فهي لا تتصدر الأخبار الوطنية ، لذلك طلبت من مراسلين في عين المكان بتزويدنا بواقع الحال ..

فهناك نوع من التعتيم الإعلامي المقصود أو غير المقصود لا أعلم، و لكن الإلام المحلي و الجهوي تناول هذه الحرائق و شكل مصدر أساسي لمعرفة المزيد من المعلومات، ففي كثير من الأحيان السلطات المحلية تحاول إدارة الأزمة بمواردها الخاصة، و تتأخر في استدعاء تدخل المركز و هذا أمر معروف و قد عايناه في مأساة الطفل ريان رحمه الله و في حالات أخرى ، خاصة و أن العزل يطال بعض المسؤولين العموميين الذين يحاولون الاجتهاد في إدارة الأزمات ، فإدا نجحوا فلم جزاء حسن ولكن إذا فشلوا يكون مصيرهم العزل و هذا يحد من روح المبادرة و المجازفة في إيجاد الحلول و إدارة الأزمة …

و من التقارير الميدانية التي توصل بها فريق برنامج “إقتصاد × سياسة” تقرير أولي صاغه شباب من المنطقة و مما جاء فيه:” اندلع يوم الأربعاء حريق غابوي من منطقة بني يسف قرب الحرارة مع حوالي الساعة الثالثة زوالا ووصل إلى ضواحي دوار العزيب الأعلى حوالي الساعة الخامسة والنصف مساء نواحي القصر الكبير شمال المغرب ، ومع اقتراب الساعة الثامنة مساء كانت النيران الملتهبة قد وصلت الى قلب المدشر لتأتي على الأخضر واليابس، وتبدأ معاناة ساكنة الدوار في محاولة انقاد ما يمكن انقاده من الماشية وباقي الحيوانات، في حين إحترقت كل المحاصيل من قمح وشعير وذرة وقطاني وغير ذلك، بالإضافة إلى إغماءات الساكنة والمشاكل التي رافقت العملية البطولية للشباب الدوار حيث اغمي على البعض فيما عانى البعض من مشكل التنفس ومشاكل اللهب التي اصابت أعلم بعض الشباب مما دفع بالعديد منهم الى التنقل لمستشفى القرب بالقصر الكبير، كل هذا في غياب شبه تام لأي تدخل من الوقاية المدنية والمجلس الجماعي ورجال المياه والغابات ومعظم المؤسسات ذات الصلة بالموضوع، وامام هذا الوضع المأساوي وجدت الساكنة نفسها امام مطرقة النيران الملتهبة التي تأتي على الأخضر واليابس وبين سندان غياب الأليات والمعدات المخصصة لإطفاء الحرائق، وحسب أحد الشهود العيان الذي دخل في مشادات كلاميه مع السياسي الأول بمدينة القصر فإن هذا الأخير (السياسي الاول) ومن خلال اتصالاته و تصريحاته قد أدلى بمعطيات مغلوطة حول حقيقة الوضع بمدشر العزيب الأعلى حسب شاهد العيان ..”

ومن المعلوم ان النيران اجتاحت مناطق غابوية و حرشية بالعرائش و تازة و القصر الكبير ووزان بشمال المملكة و هذه المناطق معروفة بغطائها الغابوي و مع ارتفاع درجة الحرارة و حركة الرياح يصبح من الصعب السيطرة على الحرائق باعتماد الاليات التقليدية ، و هو ما دفعني إلى طرح تساءل و مفارقة غريبة على بعض القطاعات المنتمية للجسم الصحفي و الإعلامي ، ففي السنة الماضية الصحافة ووسائط التواصل الاجتماعي في المغرب لا هم لها إلا رفض الجزائر عرض المغرب تقديم المساعدة لها في إطفاء الحرائق، و إفتخار غير مبرر بتوفر المغرب على طائرات كنداير سي إل-415 و هي طائرة برمائية تم إنتاجها من طرف شركة كنداير انطلاقاً من سي إل-215 لمكافحة الحرائق….

ونحن أمام هذه الحرائق و الصور المحزنة و الفيديوهات التي تصلنا من عين المكان و التي بحق تدمي القلب ، اتساءل هل الحرائق التي اجتاحت العرائش و تازة و القصر الكبير و غيرها من القرى و المداشر عجزت طائرات كنداير عن احتواءها، أم أن الحرائق تجاوزت نطاق السيطرة؟ و أصبح من الضروري حشد مزيد من الموارد و الاليات حتى و إن إقتضى الأمر طلب المساعدة من بلدان مجاورة، فليس عيبا أن نعترف بعجزنا أو الاعتراف بأن الوضع خرج عن السيطرة خاصة و أن موجة الحرارة جد مرتفعة، نأمل حقا ان تتم السيطرة على الحريق بأقصى سرعة و دعواتنا لقوات الدفاع المدني و مختلف المتدخلين و دعواتنا لساكنة و قلوبنا و عقولنا معهم ، و الحمد لله أن ليس هناك خسائر في الأرواح اللهم إعلان عن حالة وفاة واحدة …

وفي أثناء صياغة هذا المقال يوم السبت 16-07-2022 تلقيت أنباء من عين المكان أن جهود السيطرة على النيران بدأت تؤتي ثمارها و أن هناك حشد لمزيد من الموارد و الإمكانيات للسيطرة على الحريق و محاولة لإجلاء الساكنة المجاورة.. و نأمل ألا يتكرر نفس سيناريو الطفل ريان رحمه الله ، الحكومة مطالبة بحشد كل الامكانيات للسيطرة على الحريق و تقديم كافة أشكال الدعم لسكان الأقاليم المتضررة مع اتخاد كافة التدابير اللازمة لتجنب حرائق مماثلة…كما ينبغي على مختلف القوى الحية بالتدخل من اجل تقديم الدعم المادي و المعنوي للأسر المتضررة…

القضية ليست مجرد حريق أو كارثة طبيعية فهذه الكوارث أصبحت متوقعة ، و معلومة الوقوع نتيجة للتغيرات المناخية و المغرب سيكون في قلب هذه التأثيرات المناخية السلبية، لكن الإشكال هو استمرار التمييز بين المغرب النافع و المغرب غير النافع، المغرب عالمين متناقضين، عالم يقترب من دبي و نيويورك و عالم يعود للعصور الوسطى .. و هذا إشكال تنموي حقيق مرتبط بضعف التنمية و بسوء توزيع ثمار التنمية على ضعفها…

و الغريب في الأمر أني قبل أن أتناول موضوع الحرائق كان في نيتي كتابة مقال حول هاشتاغ دايز دايز، كوبيي معاك هاد

لأن لدي وجهة نظر في صالح حكومة أخنوش و أرى من الواجب تسجيلها للتاريخ ، فلعلكم تذكرون اني ممن تبنى منذ اليوم ما قبل 100 لحكومة أخنوش شعار #إرحل_أخنوش و كتبت في ذلك مقالين برأي اليوم اللندنية، أوضحت فيهما بتفصيل أن الرجل غير قادر على إدارة الأزمات القادمة ووعوده و عهوده الانتخابية مجرد أوهام و أحلام…

Ad image

لكن و نحن أمام هذا الهاشتاج المتصل بزيادة الكازوال و ليصانص أرى العكس، فمن الجيد أن يصل سعر الكازوال 30 درهم و ليصانص 35 درهم، لأن المشكل ليس في رحيل أخنوش أو بقاءه المسألة أكبر و أعقد من ذلك، المشكل في غالبية ساحقة ينبغي أن ترحل و تترك انانيتها و انتهازيتها … رحيل أخنوش تحصيل حاصل ، حكومته لن تستطيع الاستمرار أبعد من نهاية سنة 2022 و في أحسن الأحوال منتصف 2023 ، و علينا أن نوجه بوصلة انتباهنا لقراءة المتغيرات و الأحداث الدولية ، ما حدث في “سيرلانكا” هو السيناريو القادم في أغلب البلدان العربية بل و الإفريقية…من يعتقد ان الظرفية الدولية سوف تتغير فهو عاجز عن استقراء المعطيات على الأرض ، العالم يشهد مرحلة صعود و هبوط يشبه المرحلة التي سبقت إندلاع الحرب العالمية الأولى، الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية في طريقها لمزيد من التفاقم و التأزم و إمكانية العلاج و التدخل تتضاءل كلما تأخر الوقت ، و للأسف يؤسفني القول ان الوقت قد فات و ان البلاد تعيش متتالية من الفرص الضائعة و ما أقوله على المغرب يشمل معظم بلدان المنطقة المغاربية و بلدان الخليج.. الوقت تأخر كثيرا و القادم من الشهور و السنوات لن يكون إلا بلون أقل ما يقال عنه أنه قاتم.. و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون…

أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

Ad image