صبري: القراءة القانونية تؤيد حتمية اعتقال القضاء الإسباني لقائد البوليساريو ابراهيم غالي

تقديم

دخل ابراهيم غالي إلى إسبانيا خلسة و تواطئا وباستعمال وثائق سفر جزائرية مزورة من أجل الإفلات من ملاحقات القضاء الإسباني لأنه موضوع شكايات عديدة. وبعد أن كشفت مجلة “جون أفريك” السر، واعتراف اسبانيا بصحة الخبر، وادعت أن دوافعها لاستقبال إبراهيم غالي إنسانية محضة. فانها ومع ذلك وضعت نفسها موضع التساؤلات و الاتهام الأخلاقي والسياسي وفسره المغرب ضدا على علاقات الشراكة وحسن الجوار.

أولا: استقبال إسبانيا لابراهيم غالي الاتهامات مستمرة تتجاوز السياسي إلى القضائي؛

ولا شك أن الجميع يتساؤل مثلما يترقب مآلات الوضعية الصحية والقضائية لابراهيم غالي، وكيف ستتصرف الحكومة الاسبانية بعد انفجار هذه الفضيحة، وكيف سيتحرك القضاء الاسباني ؟ وإلى أي مدى؟.

وللإجابة عن هذه الأسئلة، التي تبقى بدون أجوبة في ظل الصمت الرسمي والقضائي الإسباني الذي يخيم رغم صراخ الضحايا أفرادا وجمعيات ودفاعا، ودولا. فقد ارتأينا تقريب الرأي العام من السيناريوهات القضائية المحتملة والمرتبطة بمصير وضعية غالي مستعينا في ذلك بما توفره قوانين إسبانيا، وخاصة قانون الإجراءات الجنائية والقانون الجنائي وقانون السلطة القضائية، و على ضوء ما وفرته وسربته الصحافة من أخبار، تم تأييدها بإقرار إسباني من طرف وزيرة الخارجية الإسبانية.

ثانيا : التحقيق الجنائي بإسبانيا؛ ولاية واختصاص حصري لقضاة التحقيق لوحدهم دون سواهم؛

إن التنظيم القضائي الإسباني، واعتمادا على قانون المسطرة والإجراءات الجنائية الساري النفاذ حاليا يعطي لقضاة التحقيق في مختلف محاكمها وحدهم أهلية حق احتكار الاختصاص للتحقيق في القضايا الجنائية.

و اعتبارا لكون تواجد ابراهيم غالي فوق التراب الاسباني لم يعد سرا، ولا يحوم شك حوله بل هو في حكم اليقين الجازم. فإنه يخضع للقانون الجنائي الاسباني تبعا لحلوله فوق هذا الإقليم، طبقا لقاعدة إقليمية القانون الجنائي.

وتعتبر إسبانيا من الدول التي تأخذ بالاختصاص العالمي رغم ارتكاب الأفعال خارج اقليمها وبغض النظر عن جنسية الفاعل، و في جرائم معينة وعلى درجة كبيرة من الخطورة، على غرار الأفعال المشتكى بها ضد ابراهيم غالي.

Ad image

كما تفيد المعلومات المتوفرة والمتناسقة ومن مصادر مختلفة أن المطلوب إبراهيم غالي كان مطلوبا للتحقيق من ذي قبل، ومنذ سنوات من طرف قاضي التحقيق المركزي رقم 5 بنفس المحكمة الوطنية الأوروبية التي، مقرها بمدريد على اثر شكايات مقدمة من طرف الجمعية الصحراوية لحقوق الإنسان، ومن طرف إسبان يقطنون جزر الكناري .

ثالثا : موضوع الشكايات؛ فصول التجريم في القانون الجنائي الإسباني وتحديد والعقوبات ؛

لقد قدمت شكايات من طرف الجمعية الصحراوية لحقوق الإنسان ، ومن قبل مواطنين إسبان ومن قبل خديجتو ولد محمود من أجل الإبادة الجماعية ( المادة 607 عقوبتها المؤبد، والقتل المادة 138 عقوبتها من 10 الى 15 سنة، والضرب والجرح العمدين المادة 147 وعقوبتها من 3 أشهر إلى 3 سنوات، والإرهاب المادة 571 وما يليه عقوبتها من 8 إلى 15 سنة، والاختطاف والاحتجاز التعسفي المادة 163 عقوبتها من 4 إلى 6 سنوات والتعذيب، والاغتصاب المواد 178 و 179 عقوبتها من 6 الى 12 سنة القرصنة المادة 616 وعقوبتها من 10 الى 15 سنة.

Ad image

و سبق لقاضي التحقيق المركزي رقم 5 بالمحكمة الوطنية الاسبانية أن وجه استدعاء للمطلوب ابراهيم غالي من أجل الحضور والمثول أمامه بتاريخ 19/11/2016 على الساعة الحادية عشر وثلاثون دقيقة صباحا لاستنطاقه و لتقديم أقواله وتصريحاته على إثر الشكايات، دون أن يحضر، فهل تم استدعاؤه بشكل صحيح؟ وهل توصل بالاستدعاء؟ وكيف سيؤثر تخلفه عن الحضور على القاضي أثناء تقديره ضمانات حضور إجراءات التحقيق؟

رابعا : من يكون القاضي المركزي المكلف بالتحقيق في قضية ابراهيم غالي؟

يبدو أنه تم تكليف القاضي سانتياكو بيدراز قاضي التحقيق المركزي رقم 5 بالمحكمة الوطنية الأوروبية بمهام إجراء التحقيق في قضية ابراهيم غالي.

و للإشارة فنفس القاضي سبق له أن أصدر مؤخرا، وبالضبط في شهر فبراير قرارا بإنهاء البحث في ملف تورط فيه موظفون إسبان وجزائريين في قضايا الرشوة مرتبطة بصفقات تحلية المياه في تلمسان ومشروع ترامواي في مدينة واقة.

وأسند الاختصاص إلى قاضي المحكمة الوطنية لكونها الجهاز القضائي المختص للنظر في قضايا جنائية على درجة بليغة من الخطورة إضافة إلى اختصاص إداري واجتماعي طبقا للمواد من 62 إلى 69 من قانون السلطة القضائية.

خامسا؛ صلاحيات قضاة التحقيق بالمحكمة الوطنية قوية ويمتد نفوذهم الى كل الإقليم الاسباني؛

يتمتع قضاة التحقيق المركزيين بالمحكمة الوطنية الاسبانية بصلاحيات واسعة و بنفوذ يمتد إلى كل الاقاليم الاسبانية في جميع الجهات المستقلة باسبانيا، كما تختص الغرفة الجنائية لديها بالمحاكمة من جهة، و باختصاص استئناف أوامر و قرارات قضاة التحقيق المركزيين الثمانية( ستة مركزيين واثنين آخرين) المادة 65 . و تتولى المحكمة العليا اختصاص مراجعة قرارات المحكمة الوطنية.

وتبعا لتواجد المطلوب ابراهيم غالي الآن فوق الإقليم الإسباني، ومعرفة الجميع من صحافة ورأي عام إسباني ومؤسسات بما فيه القضائية و الأمنية بمكان تواجده، فإن كل المتتبعين لهذا الملف ينظرون مثلما يترقبون إلى تحرك القضاء الإسباني لوضع حد للشكوك وإثبات استقلاليته التي هي تحت المجهر .

سادسا : اعتقال ابراهيم غالي من طرف قاضي التحقيق المركزي؛ والأسباب والشروط والاحتمالات القانونية؛

نظم المشرع الإسباني في المادة 502 وما يليها من قانون الاجراءات الجنائية كيفية تدبير القضاء لحالة ونازلة ابراهيم غالي ومن في شاكلته، ونظمت تلك المواد الحالات التي يمكن اللجوء فيها الى الاعتقال المؤقت. فهل سيتم اعتقال ابراهيم غالي؟.

للإجابة عل هذا السؤال تجدر الاشارة بنا الى المادة 503 من قانون الاجراءات الجنائية الاسباني الذي يقنن شروط اصدار قضاة التحقيق للأمر بالاعتقال المؤقت، وهي:

أ : أن يكون الفعل معاقبا عليه بعقوبة حبس تفوق سنتين، و هو شرط أول متوفر بالنظر الى العقوبات المقررة للجرائم موضوع الشكايات التي تصل إلى المؤبد.

ب : وجود أسباب وحجج وقرائن تكوٌِن الاعتقاد أن الفاعل موضوع التحقيق هو المسؤول جنائيا عن الجرائم موضوع شكاية التحقيق.

ج : أن يكون اللجوء إلى الاعتقال المؤقت ضروري لضمان حضور المشتبه فيه أمام القضاة وأمام المحكمة، أو لتفادي إتلاف الأدلة، أو تجنب احداث المطلوب لضرر بالحقوق القانونية للضحايا. وهو شرط متوفر بدوره.

وإن تبث استدعاء ابراهيم غالي سابقا و بشكل صحيح من أجل المثول والحضور أمام قاضي التحقيق بتاريخ 19/11/2016 ولم يحضر، فإن هذا يعتبر سببا كافيا لقاضي التحقيق المركزي المكلف من لدن المحكمة الوطنية لإصدار قرار بالقاء القبض عليه وايداعه في السجن على سبيل الاعتقال المؤقت.

سابعا : الاجتهاد القضائي لصالح إيداع ابراهيم غالي رهن الاعتقال الاحتياطي رغم غياب التقنين القانوني.

إن دخول إبراهيم غالي إلى إسبانيا بهوية مزيفة محمد بنبطوش وبجواز سفر جزائري مزور دليلان على نيته الفرار وقصد الافلات من العدالة الإسبانية، وهو على بينة تامة و بما فعله وينتظره من الحساب والقصاص.

يضاف إلى ذلك إقامة ابراهيم غالي خارج الإقليم الإسباني، وبالضبط بالرابوني بالجزائر، وهذه الإقامة ببلد أجنبي هو سبب إضافي للأمر بالاعتقال الاحتياطي رغم عدم تقنين قانون الإجراءات الجنائية الإسبانية للاعتقال الاحتياطي على خلاف تنظيم القانون الاسباني في المادة 592 لهذا التدبير( الاعتقال الاحتياطي ، واكتفى بتنظيم الاعتقال المؤقت).

بيد أن الاجتهاد القضائي للمحكمة الدستورية في الملفات: 159/1985 وتاريخ 27/11. و 23/1986 وتاريخ 14/فبراير. و 128/1995 وتاريخ 26 يوليوز، كلها أجازت وسمحت بشكل ضمني لقضاة التحقيق الأمر بالاعتقال الاحتياطي بسبب خطر الفرار، و لاسباب تكميلية تتمثل في غياب رابط اجتماعي او عائلي او مؤسساتي للمعني بالأمر باسبانيا، وعدم وجود اتصالات مع بلدان الغير.

ثامنا : الظرف الصحي الحرج لا يشفع لابراهيم غالي مع وجود بديل الخضوع للاعتقال بالمستشفى

تتعقد الأمور وتشتد أكثر على ابراهيم غالي مع ظرف وجود سبب صحي يمنع من خضوعه للاعتقال المؤقت او الاحتياطي ، و من المحتمل ان تتذرع به اسبانيا أو يتذرع به هو ودفاعه بالنظر الى تبرير الأولى قبوله لديها للاستشفاء بدواعي انسانية على حد قولها.

إلا أن ذلك لا يمنع قاضي التحقيق بالمحكمة الوطنية الاسبانية لاستعمال مقتضيات النص القانوني 508، وخاصة الفقرة الأولى منه التي تجيز وتسمح باجراء الاعتقال المؤقت بمقر اقامة المعني بالأمر و تعزيزه بتدابير الأمن الضرورية، وهو شيء يؤخذ به في اسبانيا في حالة وجود دليل طبي شرعي يؤكد أن ايداع المطلوب بالسجن يشكل خطرا على صحته.

غير أن المطلوب ابراهيم غالي لا يتوفر على سكن قار باسبانيا، دون أن يمنع ذلك القاضي المركزي من اخضاعه للاعتقال الاحتياطي بالمستشفى الذي يتلقى فيه العلاج .

و توجد في القانون الاسباني تدابير أخرى أقل خطورة مشار اليها في المادة 503 من قانون الاجراءات الجنائية منها المثول الدوري للمطلوب أمام المحكمة الوطنية وامكانية تفويض تلك المراقبة لمصالح الشرطة، أو سحب جواز سفر المعني بالأمر واغلاق الحدود في وجه لتفادي خروجه من اسبانيا. لكن أي جواز؟ هل المزور باسم محمد بنبطوش!؟.

تاسعا : المغرب يملك حق تتبع القضية كطرف مدني مع إثبات تضرره من جرائم ابراهيم غالي .

يملك المغرب حق الحضور كطرف مدني في القضايا التي تثار أمام المحكمة الوطنية الاسبانية ضد ابراهيم غالي طبقا للمادة 100 من قانون الاجراءات الجنائية الاسباني شرط اتباث تضرره من الجرائم المرتكبة.

وتضمن المادة 101 حق الادعاء العام المباشر، بيد أن المشرع الاسباني منحه حصرا للمواطنين الاسبان، ولا يفهم منه سبب اقصاء الأجانب من هذا الحق مع أن حق التقاضي حق من حقوق الانسان ومكفول للجميع في القانون الدولي وفي الدستور الاسباني أيضا.

و لا شك أن قضية ابراهيم غالي أثارت الكثير، وهي في بدايتها، وستستمر على هذا الحال، و المساطر القضائية عديدة ومعقدة و تستغرق وقتا طويلا، و حتما ستخنقه من جديد في حالة نجاته من الموت ومن اختناق أمراضه وعلله التي لا نتشفى منه.

عاشرا : قضية ابراهيم غالي مناسبة للقضاء الاسباني للتحرر من تدخلات السلطة التنفيذية والتشريعية؛

وضعت قضايا وشكايات ابراهيم غالي وطريقة دخوله للتراب الإسباني إسبانيا في وضع جد محرج سياسيا ووضعتها في مركز الاتهام والعداء للمغرب. و يترقب الجميع إلى الطريقة التي سيتصرف و سيتعامل بها القضاء الاسباني مع واقع هذه النازلة لنزع بعض من الحرج، واثبات استقلاليته عن السلطة التنفيذية .

وللإشارة فإن القضاء الإسباني يشتكي من تدخلات السلطة التنفيذية والتشريعية، وتوجد مطالبات بتعديل قانون السلطة القضائية لتحرير وتخفيض ثقل تدخلات السلطتين، ووصلت هذه الشكوى الى المفوضية الأوروبية.

على سبيل الختم:

إن حجم الحرج والزوبعة الأخلاقية الذي وجدت اسبانيا نفسها فيه سيمتد ويتطور بقي ابراهيم غالي حيا او ميتا، ولا شك أن هذه القضية كشفت عن أمور كثيرة تتم في اطار خفايا اللعبة وتحت أجنحة الظلام الدامسة والحالكة.

وهي في حقيقتها وجوهرها نقطة اضافية تسير في اتجاه اختزال الطريق وتعبده لصالح حسم المغرب للنزاع لأن القضية في رمتها تعطي الدليل أن البوليساريو مجرد خرافة ولعبة اطراف اقليمية.

عن أشكاين

*محامي بمكناس- خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.