ذ- عزيز النوالي يكتب : الأحزاب السياسية بالمغرب.. فضة أم رصاص؟

  • بتاريخ : أكتوبر 17, 2025 - 4:16 م
  • الزيارات : 414
  • قلم 🖊 الناس
    الأحزاب السياسية بالمغرب.. فضة أم رصاص؟
    في قلب الدينامكيات الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المغرب خلال الفترة الأخيرة، تكمن حقيقة مؤلمة ومكلفة: شبكة معقدة من النخب السياسية التي لا تكتفي بالرضاعة من “ثدي الدولة” عبر الامتيازات والمناصب، بل امتدت أياديها لتستنزف “أثداء الشعب” مباشرة. ويمكن الحديث عن النخبة إلا ضمن النشاط الذي تزاوله، وبالتالي تعدد الأنشطة يوازيه تعدد النخب.
    إن فرص نجاح النخبة تتحدد بناء على المجالات التي تشكل نظام المجتمع التي يجب أن تضم نظام مستدام من العلاقات يتحكم نجاح أو فشل هذه النخب، لذلك تم تقسم المجتمع إلى طبقة مُهَيْمنَةٌ في أعلى مرتبة بفضل إمتلاكها للرأس المال المادي والرمزي، لها القدرة على ممارسة النفوذ السياسي، وطبقة مُهَيْمَنٌ عليها غير قائدة وبعيدة عن سلطة اتخاذ القرار داخل المجتمع، والتي تعتبر فقط مساعدة للنخبة (العليا) في ممارسة أدوارها القيادية المتسعة النطاق داخل البلاد. والتي تضم أقل عددا وأكثر تنظيما حيث تتمتع بالوظائف السياسية وتحتكر السلطة وتستفيد من فوائدها.
    وأضحت التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المغرب، نتيجة حتمية باعتبار الديمقراطية التي تقوم بحكم الشعب بواسطة الشعب للشعب مستحيلة، مما أسفر عن تغييرات في البنية الاجتماعية، وفي السلوكات الانتخابية. وبالتالي تتحول النخبة بالمجتمع المغربي إلى الأوليغارشية: وهي النخبة التي لم تصنع نفسها بقدر ما ورثت نفوذها، وهي أيضا عبارة عن تكتلات عائلية وشبكات مصالح قديمة اندمج فيها المال بالسلطة بشكل عضوي، لتحيل على تحكم هذه الفئة القليلة بفرض آرائها ومواقفها لتكريس سيطرتها في الأحزاب والمنظمات المهنية، ومن ثم تضمن ديمومة حكمها.
    في نفس سياق هذه التحولات السياسية، لتعزيز النسق المغربي نحو البحث عن تعديل التعاقد الاجتماعي بما يضمن أخذ الإصلاحات الفورية في قطاع الصحة والتعليم والشغل… بعين الاعتبار. وإلا فإن جمع المؤشرات تفيد بأن مسلسل الحركات الاحتجاجية ..قد يعود من جديد، خاصة مع زيادة وعي الشباب بالوضع السياسي وتمثلاتهم للسلطة، بالرغم من اختلاف توجهاتهم الإيديولوجية وحساسيتهم السياسية. فإن حركاتهم نجحت في ترسيم خطوط جديدة وتجاوز الخطوط الحمراء في تعامل الشباب مع السلطة. وهكذا فرضت “حركة جيل زد” هامشا أعلى من تجاوب النسق السياسي( الأغلبية الحكومية) مع مطالب الشارع.
    ويبدوا أن ذاكرة الانتصار هذه لا يمكن إقفالها بسهولة، رغم كل المحاولات الجاهدة للنسق السياسي للحكومة الحالية بقيادة عزيز أخنوش، من خلال تبني جزء من مطالب الحركة من قبل الفاعل الرسمي (النقابات…) أو من خلال نزع الشرعية عن النشطاء. وبالرغم من صعوبة فك شفرات هذه العلاقة بين حركة جيل زد وشعارات ومطالب المحتجين في حراك الريف، فإن مطالبهم لا تختلف عن مطلب حركة جيل زد.
    تكشف القراءة الأولية بمطالب الحركات الاحتجاجية بالمغرب (جيل زد وحراك الريف)، بأنها تختزل الثلاثية الشهيرة التي تضمنتها شعراتهم. والمتمثلة في “الحرية، الكرامة، العدالة الاجتماعية”، وهي شعارات تتبنى مطالب اجتماعية(خبزية) بالأساس، فإنها تختزن أيضا منطقا احتجاجيا يزاوج بين هدفين: الأول ينبني على رفع مطالب سوسيواقتصادية من قبيل ارتفاع كلفة المعيشة، البطالة وتردي الأوضاع الصحية وأزمة التعليم وغيرها، وفي نفس الوقت مطالب تركز على إعادة النظر في التوجهات الكبرى للمجتمع ونموذج السلطة السائدة.
    يبدوا هذا الأمر واضحا، من خلال عودة شعارات “إسقاط الفساد” والتوجه رأسا نحو بعض الأطراف في الأحزاب السياسية. فإذا كانت الدولة قد اختارت الليبرالية الاقتصادية كنهج رسمي إلا أن الواقع المغربي يؤكد أنها ليبرالية غير ناضجة بحيث ترافقت مع استمرار اقتصاد الريع، كما أنها لم تستطيع حل مسألة التوزيع وتحقيق العدالة المجالية عبر التراب الوطني، بمعنى أخر، أن المغاربة لم يقطفوا بشكل شفاف ثمار النمو الاقتصادي، كما أنها لم تواكبها ليبرالية سياسية حقيقية تفتح الباب أمام مواطنة فاعلة، مجتمع مدني حقيقي و أحزاب سياسية قوية ونخب مؤثرة.
    كما ساهم الاستعمال للتكنولوجيا الحديثة وخاصة الاستعمالات المتعددة للأنترنيت والشبكات الاجتماعية، على رفع منسوب الوعي القائم على مستوى الأوضاع الاجماعية والاقتصادية والسياسية، حيث تجعل من الشباب قوة تطالب “بالمحاسبة” على أساس الكفاءة وليس أي شيء آخر. وتمكن الجيل الجديد من القيام بالمقارنات، وحيث هناك إمكانية للمقارنة هناك إمكانية للفعل الذي يسبقه وعي عملي بالفروفات الصارخة بين عالم زاحف حضاريا واقتصاديا واجتماعيا وديمقراطيا، وعالم يفتقد لأبسط متطلبات العيش الكريم.