الضحك على الذقون


بقلم/ ذ. فؤاد السعدي

لم أعتقد يوما ان ذقوننا مهمة لهذه الدرجة، فدونها لن يجد الساسة من يضحكون به علينا. تلك  هي لعبة الضحك على الذقون.. لعبة السياسيين حينما يعلنون إفلاسهم في ايجاد الحلول فيلجؤون  إلى لعبة  “التمني”  واطلاق الوعود  الفارغة من كل المضامين وسرعان ما يتنصلون من وعودهم مبررين هذا التنصل  بحجج  واهية تنطلي علينا عندما نجد انفسنا لا حول لنا ولا قوة. والغريب في الامر أننا حتى اللحظة لم ندرك  ألاعيب السياسيين  التي لا تغني ولا تسمن من جوع بل  هي مجرد وعود كاذبة ومضللة لتمرير اجندات سياسية في الزمن والمكان. أما نحن.. نحن  الشعب المغلوب المكلوم نمني النفس بأماني نعي جيدا بأننا لن نبلغها. هو إذن قدرنا في أن نولي على مصيرنا من يجعل رغيف عيشنا قاسيا وتطبيبنا ودوائنا عسيرا وتعليمنا ووعينا صعب المنال. هو اختيارنا ونحن المسؤولون عليه مع العلم أننا ندرك جيدا  أنه لا يجوز الحكم على الاختيار في حضرة الجوع والعوز كما أنه لا ديمقراطية مع الجهل والأمية.

فمن أوصلنا الى هذا النفق المظلم كان يدرك أن اختياراتنا  ستكون بالطريقة التي خطط لها مسبقا، وأن المبتغى ليس أن يعيش الشعب في بحبوحة من العيش الرغيد مع ما يتطلبه ذلك من حفظ للكرامة وصون للانسانية ولكن هو هوس السلطة وجنون الحكم والرغبة الجامحة في الزج بهذا الشعب في آتون محارق الصراعات السياسية الخاوية.

فالى أين أنتم ذاهبون بنا أيها الساسة؟ اين بحبوحة العيش التي وعدتمونا بها بعد أن مكناكم من مقاليد الحكم؟ هل تبخر كل شيء وصرتم على منوال ما كان قبلكم مجرد قطع غيار في مسار ثابت ومستمر؟ لماذا رفعتم سقف الوعود وانتم تدرون أنكم لم ولن تبلغوها؟ رغبتم في المكاسب والمراتب وسخرتم كل جهودكم لنيلها وعندما بلغتم مرادكم بعتمونا للوهم، ايقظتمونا من حلم كاذب على كوابيس واقع مليء بالمآسي والمعانات والاحباط، على وطن يعيش في حضنه شعب بلا أمل في المستقبل.

في عنق زجاجة انتظرنا لعقود حقنة أكسجين تعيد لنا نسائم الكرامة الإنسانية وتقدس حرية الفرد والمجتمع. وتنفي، بالعمل، نظرتنا الميؤوسة للسياسة الرعناء التي ينهجها ساساتنا وتفند، بالعمل كذلك، الخطابات المنمقة والقرارات الأحادية والاستراتيجيات الفاشلة، في كل الميادين، قبل بلورتها. والقطع مع سياسة بيع الوهم وافتعال، عند كل ضغط مجتمعي، قضايا مخزية وتضخيمها بوسائل إعدام تدعي الوطنية، وإشغال الرأي العام بها، ثم اقتراح حلول ترقيعية لتمديد الأزمة وتكريس العبث والعشوائية لفترة أخرى.

الوطن هوية وانتماء، الوطن حرية وكرامة إنسانية، الوطن دستور الحقوق والواجبات، الوطن منتهى العدل والعدالة في كل الموجودات، الوطن أنا وأنت والآخر.. وإننا في هذا الوطن، نفعل ما يفعل السجناء والعاطلون عن العمل نربي الأمل، لقد أصبح ما نسميه الوطن منبت الفاشيين، حظيرة يحكمها الانتهازيين والوصوليين من سياسيين لفرض قيود الطاعة على من وثق بهم وسلمهم ذقونهم ليضحكوا عليها.