بقلم : ذ- يوسف السوحي
لايقبل عاقل بالعاصمة الاسماعيلية مكناس ،أن تداس كرامة ساحة الهديم التاريخية بهذه الطريقة البشعة ،كونها من أهم المواقع الأثرية التي تزخر بها العاصمة الاسماعيلية ، إذ تعتبر رمزا للمدينة العتيقة وقلبها النابض بالحيوية والجاذبية، باعتبار موقعها الاستراتيجي الجيد بالقرب من معلمة «باب منصور العلج»، بل رمزا كذلك للكفاح الوطني، ومن منا لا يستحضر تاريخ 2 شتنبر من سنة 1937،عندما جسدت هذه الساحة التاريخية مسرحا لمعركة دامية بين أهل مكناس والمستعمر الفرنسي ،ناهيك كونها تراث عالمي يبرز عظمة وتاريخ هذه المدينة السلطانية ،باسوارها الشاهقة وزخرفتها العريقة ،وكموروث ثقافي شفهي ،ساهمت “الحلقة ” كفن تراثي ،عبر الزمان والمكان في نقل هموم وأحزان وأفراح ساكنة هذه المدينة،و عرفت الحكايات المسترسلة بتاريخ وجغرافية وثقافة أهل الحاضرة الاسماعيلية،لكن للأسف الشديد نحن اليوم أمام صورة مشوهة لهذه الساحة ،فنهيك عن التبول ورمي الازبال والقاذورات على أسوارها وفي أركانها ،نجد انتشار ظاهرة “الفراشة” وكراريس “الهندية” و”الصوصيص” و”البابوش”…،
بشكل فوضوي يحي للزائر أن هناك تواطأ ممنهجا على رمزية وتاريخ هذه الساحة المعروفة عالميا ،كما يتضح للعيان أن يد العبث بهذا الموروث الثقافي قد امتدت بايعاز من السلطات المحلية والجماعة الحضرية مكناس ومديرية وزارة الثقافة بجهة فاس مكناس ،لأنه لا يعقل أن يتم الاستسلام بهذه الطريقة المكشوفة لهؤلاء الفراشة ،ومن غير المقبول ان تصرف أموال طائلة على تأهيل هذه الساحة التاريخية،وتركه بيد هؤلاء العابثين ،ومن العبث الحديث عن جعل مدينة مكناس مدينة سياحية وبيئية ،وأبنائها يفرطون في رأس مالهم التاريخي والرمزي،بجعل هذه الساحة التي كانت محج للملوك والسلاطين ،وكراسي للعلماء والمثقفين ،وفضاء فني للمسرحيين والحكواتين ورواد فن الحلقة .
إن الحديث عن المشروع الملكي الخاص بتاهيل المدينة العتيقة بالعاصمة الاسماعيلية ، وحماية الماثر التاريخية وتثمينها ،يجب ان ينطلق من تحرير هذه الساحة واسوارها من العابثين بتاريخها،أصحاب التفريشة وكراريس المأكولات السريعة .