قلم الناس: متابعة
نحتفل كل سنة في مثل هذا اليوم بذكرى تقديم وثيقة إلى سلطات الحماية الفرنسية، للمطالبة لأول مرة بما يتجاوز سقف الإصلاحات، أي إنهاء العمل بمعاهدة الحماية التي وقعت بين السلطان مولي عبد الحفيظ وفرنسا سنة 1912.
النص الذي حمل توقيع 67 شخصا من بينهم امرأة واحدة (مليكة الفاسي)، لم يكن موجها للسلطات الفرنسية وحدها، بل إن وفد الوطنيين قدم نسخة من الوثيقة إلى السلطان محمد بن يوسف. فقد طالبوا فرنسا بالاستقلال، ودعوا السلطان إلى إقرار نظام “شوري”، أي ديمقراطي.
ونقرآ في نص الوثيقة أن “حزب الاستقلال يلتمس من جلالته أن يشمل برعايته حركة الإصلاح التي توقف عليها المغرب في داخله، ويكلُ لنظره السديد إحداث نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية الإسلامية بالشرق، تحفظ فيه حقوق سائر عناصر الشعب وسائر طبقاته، وتحدد فيه واجبات الجميع”.
وتعرف هذه الذكرى وفقا للأدبيات الرسمية باسم “ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال”، باعتبار الوثيقة التي تم تقديمها في مثل هذا اليوم من سنة 1944، كانت أول تعبير رسمي من جانب المغاربة عن الراغبة في القطع مع معاهدة الحماية، بعدما ظلت المطالب السابقة للوطنيين المغاربة تكتفي بالإصلاحات.
طالبت الوثيقة صراحة بإلغاء معاهدة الحماية ومنح المغرب عضوية عصبة الأمم، المنظمة التي ستصبح منظمة الأمم المتحدة. وما منح هذه المبادرة حساسية بالغة، رغم تواتر المطالب الإصلاحية ودعوات الوطنيين إلى إشراكهم في تدبير البلاد وفق توافق جديد يتجاوز معاهدة الحماية، أنها جاءت عاما واحدا بعد اجتماع أنفا الذي التقى خلاله محمد بن يوسف كلا من الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، ورئيس الحكومة البريطانية وينستون تشرشل.
السلطان محمد بن يوسف الآخذ حينها في الدخول تدريجيا على خط الوطنيين المغاربة، لم يفوت فرصة هذا الاجتماع التاريخي، وانتزع وعدا أمريكيا-بريطانيا، بإعادة النظر في الوضع السياسي للمملكة الشريفة، اعترافا بمساهمتها الى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
أما فرنسا الخارجة لتوها من ورطة الاحتلال الألماني، فلم تكن لتنظر إلى هذه الخطوات بعين الرضا، وبفعل علاقاتها الوطيدة بالحلفاء الغربيين، لم يكن ل”وعد أنفا” أي تأثير في علاقات باريس بالرباط، في اتجاه الاستجابة لمطالب الوطنيين. لذلك كان لخطوة إخراج وثيقة المطالبة بالاستقلال بعدا استراتيجيا، لما تعنيه من إصرار ووضع أمام الأمر الواقع.
إرسال تعليق