نبهت دراسة نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات، الخميس، إلى أن عدم التناغم بين الجدولة الزمنية لمشروع تنزيل وتعميم منظومة الاستهداف، وتلك الخاصة بمشروع تنزيل مختلف برامج الحماية الاجتماعية، يجعل أكبر ورش للحماية الاجتماعية في تاريخ المغرب تحت رحمة ضعف الاستهداف. وقارنت الورقة البحثية تحت عنوان “أكبر ورش للحماية الاجتماعية تحت رحمة ضعف الاستهداف”، الجدولة الزمنية لتنزيل منظومة الاستهداف التي أعطى الملك محمد السادس تعليمات إعداد وتنزيل “السجل الاجتماعي الموحد” في خطاب العرش لسنة 2018، والتي لن تكون منزلة في جميع أقاليم المملكة إلا مع نهاية 2025، والجدولة الزمنية لمختلف البرامج الاجتماعية، سواء المتعلقة بأكبر ورش للحماية الاجتماعية الذي أعلن عنه الملك في خطاب العرش لسنة 2020 أو التي جاءت في البرنامج الحكومي للولاية 2022-2026، او البرامج القائمة قبل ذلك والتي ينبغي أن تخضع لمنظومة الاستهداف، ومعظم هذه البرامج، وخاصة المشروع الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية، سيتم تنزيلها في وقت لم تعمم فيه بعد منظومة الاستهداف بصفتها آلية الاستهداف الاجتماعي لضمان نجاعة برامج الحماية الاجتماعية. وكشفت الدراسة التي أعدها الباحث حسن بويخف، من خلال المقارنة السابقة عن وجود اختلال كبير يتعلق بعدم التناغم بين الجدولتين، مما سيجعل تنزيل معظم برامج الحماية الاجتماعية تنزل في غياب منظومة الاستهداف. وذكرت الدراسة أن الطبيعي المفروض أن يكون نظام الاستهداف قائما وفعالا لتأطير تنزيل برامج الحماية الاجتماعية، غير أن الذي تكشفه تلك المقارنة هو تأخر إعداد سجلات منظومة الاستهداف، مما يعني مواصلة حرمان برامج الحماية الاجتماعية من النجاعة. وحسب نفس الدراسة، تعتبر الفترة 2021-2026 فترة استثنائية في تاريخ سياسات الحماية الاجتماعية في المغرب، في سياق تميز بالإكراهات التي فرضتها جائحة كوفيد 19 وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، ومن الناحية السياسية، بإعداد النموذج التنموي ومختلف البرامج القطاعية لتنزيله. كما ستعرف هذه الفترة بداية تنزيل النموذج التنموي الجديد، والاستمرار في تنزيل الرؤية الاستراتيجية للتعليم 2015-2030. وتوقفت الدراسة عند خطاب العرش لسنة 2020، والذي دعا إلى تعميم الحماية الاجتماعية لفائدة جميع المغاربة خلال الفترة 2021-2025، والذي سيتطلب تخصيص مبلغ إجمالي سنوي يقدر بت 51 مليار درهم، منها 23 مليار درهم سيتم تمويلها من الميزانية العامة للدولة.. وذكرت أن البرنامج الحكومي 2021-2026 خصص محوره الأول ل “تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية”. وتضمن برامج جديدة في مجال الحماية الاجتماعية، ستنضاف إلى شبكة البرامج القائمة، والتي تشمل منظومتها 14 وزارة و8 هيئات تحت الوصاية، تشرف على ما يفوق 120 برنامجا للمساعدة الاجتماعية، بتكلفة مالية تقدر بعشرات الملايير من الدراهم. ولفتت الدراسة الانتباه إلى أن هذه البرامج تعاني من ضعف التنسيق والحكامة. فقد سبق لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، في دراسة مسحية نشرتها سنة 2018، أن أحصت 140 برنامجا اجتماعيا يشرف عليه 50 متدخلا مؤسساتيا في المغرب. وحسب نفس الورقة البحثية، لا يتضمن البرنامج الحكومي 2021-2026 أي إجراء أو إشارة تفيد الاهتمام بتقليص أو تجميع تلك البرامج وتنسيقها. مما يؤكد استمرار العديد من الاختلالات التي سبق ورصدتها تقارير رسمية في هذا المجال، ما يؤكد أن منظومة الحماية الاجتماعية تفتقد لآلية الاستهداف الاجتماعي، وتعرف هذه المنظومة تضخما سواء على مستوى كثرة البرامج والمبادرات، أو على مستوى كثرة المتدخلين، كما تهم ضعف الحكامة وغياب التنسيق لترشيد الجهود. وانتقدت الدراسة ما أسمته ضعف حضور الحديث عن ورش إعداد منظومة الاستهداف في الخطاب الحكومي، مشيرة إلى أن البرنامج الحكومي 2021-2026 لا يتضمن أي إجراءات تهم “منظومة الاستهداف” رغم أهميتها المحورية، كما أن أشغال اللجنة التوجيهية لتنزيل ورش الحماية الاجتماعية، المنعقدة يوم الجمعة 18 فبراير 2022، والتي ترأسها رئيس الحكومة، لم تتم الإشارة فيها إلى ورش إعداد “منظومة الاستهداف”. كما أن العرض الذي قدمته وزيرة الاقتصاد والمالية أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بالبرلمان بتاريخ 23 فبراير 2022، بمناسبة اليوم الدراسي حول ” استدامة أنظمة التقاعد في ظل تعميم الحماية الاجتماعية” تحت عنوان “تنزيل ورش تعميم الحماية الاجتماعية” لم يتضمن أي إشارة لمنظومة الاستهداف أيضا. وخلصت الدراسة، التي نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات على موقعه الرمسي، إلى أن أصل المشكلة في عدم تناغم الجدولة الزمنية بين مشروع تنزيل وتعميم منظومة الاستهداف، وبين مشروع تنزيل مختلف برامج الحماية الاجتماعية، هو في طول المدة المخصصة لإعداد وتنزيل وتعميم منظومة الاستهداف، والتي يمكن القول إنها تتطلب قرابة 7 سنوات، ابتداء من تاريخ خطاب العرش لسنة 2018 إلى غاية سنة تعميم المنظومة سنة 2025. وشددت الدراسة على أن تدارك الخصاص الزمني وضعف حكامة البرمجة الزمنية بين المشروعين يتطلب قرارات سياسية وتواصلا فعالا وجهدا تقنيا. وبهدف تمكين مختلف البرامج من الاستفادة الشاملة من آلية الاستهداف التي يوفرها “السجل الوطني للسكان” و”السجل الاجتماعي الموحد”، وبالتالي ضمان حد معقول من النجاعة لتلك البرامج، أوصت الدراسة بثلاثة أمور: الأول: يتعلق بتسريع عمليات تعميم اعتماد منظومة الاستهداف (السجل الاجتماعي الموحد والسجل الوطني للسكان)، وذلك بتقليص المدة المخصصة لذلك لتكون في أقل من نصف السنة، والعمل على تسريع تعميم المنظومة على باقي الأقاليم والعاملات ليشملها جميعا مع نهاية سنة 2023. والإسراع بإحداث الوكالة الوطنية للسجلات، بذل إسناد القيام ببعض مهامها إلى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية في مرحلة انتقالية، مع تحديد هذه المرحلة الانتقالية وتقليصها ما أمكن. الثاني: يتعلق بتأجيل تنزيل مختلف البرامج الكبرى إلى حين تعميم اعتماد منظومة الاستهداف. وهذا يتطلب من جهة، رفع ملتمس بذلك إلى الملك بالنسبة للبرامج التي وردت برمجتها الزمنية في الخطابات الملكية. ومن جهة ثانية، إدخال تعديلات استدراكية تهم الجدولة الزمنية بالنسبة للبرامج التي تضمنها البرنامج الحكومي. وهذا الشطر الأخير يتطلب جهدا تواصليا بالأساس حول جدوى التأجيل ومزياه وأهميته، مع استحضار الهدر التي كشفت عن تجارب تنزيل مختلف برامج الدعم الاجتماعي. الثالث: يتعلق بمراجعة شبكة البرامج الاجتماعية وشبكة المتدخلين في تنزيلها، وكما سبقت الإشارة فنحن أمام قرابة 140 برنامجا تباشره قربة 40 متدخلا، وهذه المنظومة تعاني، حسب عدة تقارير في الموضوع، من ضعف الحكامة والالتقائية، ما يعني هدر الجهود وضعف ترشيدها. وقد جاء البرنامج الحكومي 2021-2026 خالية من أي إشارة إلى هذا التوجه، مما يفرض تدارك استمرار هذه الشبكة الواسعة من البرامج والمتدخلين في اتجاه عقلنتها وفرض الحكامة عليها، وترشيد تدبيرها.
إرسال تعليق