بقلم : د.أحمد عصيد
لم تغادرنا نوال السعداوي ولم تذهب إلى أي مكان، فقط تجردت من جسدها الذي أنهكته السنون، لتحتضن روحُها العالم وتصبح أكثر حضورا بيننا، إنّ الفكر الإنساني الحيّ لا يموت، بل يتوالد وينتشر كالضوء في كل الاتجاهات حتى بعد الغياب المادي لصاحبه.
صارعت نوال طوال حياتها، العقلية البهيمية للذكورة الأمية والمتخلفة، لم يكن لها قط مشكل مع الرجال، كانت مشكلتها مع نظرة الذكور إلى الإناث، تلك النظرة التي ما فتئت تمتح من تراث فقهي ميّت وعديم الجدوى، تراث ظل أصحابه أشبه بأهل الكهف، غائبين عن تحولات العالم والمحيط، إلى أن فوجئوا بيقظة قسرية جعلتهم يتلقون الصدمات تلو الأخرى، ولم يجدوا سبيلا إلى تدبير وضعيتهم الجديدة بفكرهم القديم. وكانت أعظم الصفعات التي تلقوها وعبرت عنها نوال السعداوي بعمق ودراية كبيرة، تلك التي جاءتهم من المرأة العصرية التي خرجت للدراسة والعمل والتفوق والندّية في جميع المجالات.
في 15 يوليوز 2013، التقيت بالدكتورة نوال السعداوي بالرباط بفضل الراحلة فاطمة المرنيسي والصديق ادريس كسيكس، وقد كتبتُ بعد ذلك مقالا أعيد اليوم نشر فقرة منه تكريما لحضورها المتجدّد بيننا:
“في لقاء جمعني بالدكتورة نوال السعداوي بالرباط امتدّ لأزيد من ثلاث ساعات، تبادلنا وجهات النظر حول انتفاضة 30 يونيو وحركة “تمرد” المصرية، وتعقيدات الوضع الراهن، وطموحات القوى الثورية في أرض الكنانة، ودور الجيش والقوى السياسية التقليدية. كانت الكاتبة الكبيرة التي جاوزت الثمانين تتحدث بحماسة وحيوية الشباب، وكان بيت القصيد في كلامها ضرورة أن يبدع الشباب أساليب نضالية جديدة من أجل تجاوز الحلول الكلاسيكية التي لا تزيد الأزمة الحالية إلا استفحالا.
وكان السؤال الجوهري الذي دار حوله حديثنا منذ البداية وظلّ يشكل نقطة استفهام كبيرة حول مآل انتفاضة المصريين وأبعادها هو التالي: كيف يمكن العبور من ثورة الشارع إلى المؤسسات ؟ وهو سؤال تناسلت عنه الأسئلة الحيرى التالية: لماذا يقوم شباب الثورة بالانتفاضة، ثم يقوم غيرهم بعد ذلك بجني ثمارها دونهم، وفي اتجاه معاكس لأهدافهم ؟ لماذا لم تسفر الثورة المصرية عن قوة سياسية فتية وجديدة تستطيع التأثير في مسار الانتخابات التشريعية والرئاسية، ليحصل المصريون في النهاية عن مؤسسات منبثقة من عمق الثورة وروحها وعاملة من أجل أهدافها ؟ لماذا لم تشهد الساحة المصرية بعد الثورة إلا الصراع التقليدي بين فلول النظام وتنظيم “الإخوان” وهما طرفان أحلاهما مرّ بالنظر إلى تطلعات قوى الشارع المصري، والتي لا يستطيع أي من الطرفين تحقيقها ؟
هذه الأسئلة التي شغلت الكاتبة الكبيرة التي قضت معظم أوقاتها منذ انتفاضة 25 يناير في ساحة “التحرير” تحاور شباب الثورة أحيانا إلى الثالثة صباحا، هذه الأسئلة تشكل اليوم محور تفكير النخب الفاعلة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط”.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.
إرسال تعليق