قلم الناس
سارة السعودي
تشير بيانات حديثة إلى أن المغرب يعيش أزمة حقيقية في مجال القراءة، إذ ينفق المواطن المغربي 35 درهما سنويا فقط على اقتناء الكتب، بينما يخصص ست دقائق فقط سنويا للمطالعة، بغض النظر عن نوعية الكتب أو المنشورات، وفق ما أفاد به المجلس الوطني للشباب والثقافة والتواصل. هذه الأرقام الصادمة تجعل المغرب من بين الدول ذات معدلات القراءة الأقل في المنطقة، وتشير إلى تحديات هيكلية تتعلق بالثقافة والتعليم والبنية التحتية المعرفية. ويؤكد خبراء الثقافة أن أزمة القراءة ليست مجرد مسألة اختيار فردي، بل ظاهرة متجذرة ترتبط بعدة عوامل، منها ضعف التنشئة القرائية منذ الطفولة، غياب بيئة محفزة في الأسرة والمجتمع، نقص المكتبات العامة والمدارس المجهزة بالكتب، وارتفاع أسعار الكتب، إضافة إلى التأثير الكبير للتكنولوجيا التي تهيمن على وقت الشباب وتقلص فرص القراءة العميقة والمركزة.
هذه الأزمة لها تأثيرات واسعة على المجتمع، فهي تضعف التفكير النقدي والتحليلي لدى الشباب، وتؤدي إلى تراجع الإنتاج الفكري والأدبي المحلي، كما تسهم في انتشار ثقافة سطحية تعتمد على المعلومات السريعة وغير الموثوقة، وتحد من قدرة المغرب على المنافسة الأكاديمية والثقافية على المستوى الدولي، بما في ذلك ضعف نتائج التلاميذ في تقييمات مهارات القراءة مثل PISA.
لمواجهة هذه الأزمة، يرى الخبراء ضرورة اعتماد سياسات متكاملة تشمل إعادة تأهيل المكتبات المدرسية والعامة وتوفير كتب محفزة وجذابة لجميع الفئات العمرية، وتشجيع القراءة منذ الطفولة عبر برامج مدرسية وأنشطة ثقافية ممتعة، واستثمار التكنولوجيا بشكل إيجابي عبر تطبيقات ومكتبات رقمية لتسهيل الوصول إلى الكتب، إضافة إلى دعم دور النشر المحلية وتوفير الكتب بأسعار مناسبة، وتعزيز دور الإعلام والثقافة في الترويج للكتاب وتشجيع المواطنين على القراءة من خلال برامج إذاعية وتلفزيونية ومعارض ومهرجانات ثقافية.
تظهر البيانات أن المغرب أمام تحد كبير في تعزيز ثقافة القراءة والمعرفة. الأزمة الحالية ليست مجرد مسألة شراء الكتب، بل هي انعكاس لفجوة معرفية وثقافية عميقة تهدد مستقبل المجتمع. الحلول تتطلب جهودًا مشتركة من الدولة، الأسرة، المؤسسات التعليمية، والمجتمع المدني لإعادة الكتاب إلى مكانته الطبيعية كرافد أساسي للمعرفة والثقافة، وضمان أن يصبح الاستثمار في القراءة أولوية وطنية.















إرسال تعليق