لالة خناثة بنت بكار.. سيدة القصر التي صنعت الملوك وغيرت وجه التاريخ المغربي.

  • بتاريخ : نوفمبر 3, 2025 - 3:05 م
  • الزيارات : 280
  • قلم الناس
    في تاريخ المغرب، أسماء تلمع كالشمس، لا تمحى من ذاكرة الأجيال. من بينهن امرأة وقفت شامخة وسط صخب السلاطين، وخيوط المؤامرات، وضجيج السيوف… امرأة صنعت المجد بذكائها ودهائها، وأعادت تعريف معنى السلطة الأنثوية في عصورٍ كان الحكم حكرا على الرجال. إنها لالة خناثة بنت بكار، التي لم تكن مجرد زوجة للسلطان المولى إسماعيل، بل كانت عقله المدبر، وصوته الحكيم، وذاكرته الدبلوماسية.

    من البراكنة إلى قصر مكناس

    ولدت لالة خناثة في أسرة علمية وزعامة قبلية بقبائل الجنوب المغربي، وتربت على حب العلم وحفظ القرآن، فبرعت في الفقه والحديث حتى نالت احترام العلماء. هذا النضج العلمي والفكري جعلها قريبة من مراكز القرار، حيث تزوجت من السلطان المولى إسماعيل، أحد أقوى السلاطين العلويين، لتدخل القصر الملكي من بابه الواسع، لا كزوجة فقط بل كصاحبة رأي ومشورة.

    عالمة ومستشارة في شؤون الدولة

    داخل قصر مكناس، تميزت لالة خناثة بحضورها العلمي والفكري. كانت تناقش كبار العلماء وتشارك في إصدار الفتاوى، وارتبط اسمها ببناء مسجد ومدرسة تحمل اسمها في مكناس، كما حفظت بعض من مراسلاتها ومخطوطاتها في خزائن تاريخية. لم تكن خناثة امرأة ظل، بل كانت العقل الهادئ الذي يلجأ إليه السلطان إسماعيل في القضايا الكبرى، السياسية والدينية على السواء.

    حامية العرش في زمن الاضطراب

    بعد وفاة المولى إسماعيل سنة 1727، دخل المغرب في فترة من الفوضى والصراع بين أبناء السلطان على الحكم. في هذا المشهد المضطرب، برزت خناثة بنت بكار كعنصر استقرار ودهاء سياسي، إذ سخرت نفوذها وعلاقاتها القبلية والدينية للدفاع عن ابنها المولى عبد الله، الذي اطيح به أكثر من مرة ثم أعادته إلى العرش بفضل دهائها وتحالفاتها. واجهت السجن والنفي، لكنها ظلت وفية لقضيتها، تحافظ على مكانة العائلة العلوية ووحدة الدولة.

    دبلوماسية بذكاء نسائي

    امتد نفوذ خناثة إلى ما وراء حدود المغرب. تشير الوثائق التاريخية إلى دورها في مفاوضات مع القوى الأوروبية، خاصةً في قضايا إطلاق الأسرى والتبادل التجاري. استطاعت أن تكون وسيطا مقبولا لدى الأوروبيين، لما تمتعت به من عقل راجح وحنكة سياسية جعلتها تلقب بـ”الوزيرة الصامتة” داخل البلاط المغربي.

    أم السلاطين ومربية الزعيم

    لم تقتصر مكانة لالة خناثة على السياسة فحسب، بل امتدت إلى التربية والتأثير في الأجيال اللاحقة. فقد تولت تربية حفيدها السلطان محمد بن عبد الله، الذي عرف لاحقا بحكمته واعتداله، وترك بصمات إصلاحية واضحة في تاريخ المغرب. يجمع المؤرخون على أن بصمات خناثة الفكرية والتربوية كانت حاضرة في تكوين شخصيته القيادية.

    > “وراء كل سلطان عظيم… كانت امرأة توجهه بصمت، وتصلح ما تفسده الحروب بالكلمة والحكمة.”

    إرث خالد واسم لا يمحى

    توفيت لالة خناثة بنت بكار في منتصف القرن الثامن عشر، لكنها بقيت في الذاكرة المغربية رمزا للمرأة العالمة والسياسية المحنكة، التي جمعت بين الدين والعقل، وبين العلم والسلطة. إنها نموذج حيّ لقدرة المرأة المغربية على صناعة التاريخ، لا عبر الهتاف أو التمرد، بل عبر التأثير الهادئ والرؤية البعيدة.

    لقد كانت خناثة بنت بكار امرأة سبقت زمنها، وخلدت اسمها في صفحات التاريخ كرمز للذكاء، والعلم، والحكمة النسائية التي أسهمت في رسم ملامح الدولة المغربية الحديثة.

    سارة السعودي