قلم الناس : متابعة
قالت صحيفة ”لوموند”، إن زيارة دولة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي، إمانويل ماكرون، إلى المغرب لمدة ثلاثة أيام، تثير غضب النظام الجزائري.
وأكدت الصحيفة في مقال تحت عنوان: ”التقارب الفرنسي المغربي يثير غضب الجزائر”، (عدد اليوم الثلاثاء 29 أكتوبر الجاري)، أن الرئيس الفرنسي، حل في الرباط، أمس الاثنين، بعد مدة من الفتور استمرت قرابة ثلاث سنوات، من صيف 2021 إلى ربيع 2024، مبرزة أن الجزائر المُجاورة، تُراقب الزيارة عن كثب في ظل “التحول السريع للمشهد الدولي”.
وأشار المنبر الإعلامي الفرنسي البارز إلى أن التوتر في العلاقة بين باريس والجزائر، بدأ منذ يوليوز الماضي، تاريخ إعلان فرنسا دعمها لمغربية الصحراء، على الرغم أن الدبلوماسية الفرنسية، عبر وزارة خارجيتها، بدلت ”جهودا كبيرة” لتدفئة العلاقات مع الرباط دون تبريدها مع الجزائر.
لكن كاتب المقال في الجريدة الفرنسية، يوضح، أن خلق هذا التوازن، في ظل التنافس بين البلدين المغاربيين، يظل ”أكثر خطورة”.
عادت ”لوموند” في مقالها إلى التطرق لزيارة ماكرون، عبر التذكير بالوفد الكبير المرافق له من وزراء ورجال أعمال، موضحة أن ماكرون سيبذل كل ما في وسعه لاستعادة العلاقة مع الملك محمد السادس التي تحولت إلى توتر منذ صيف 2021 بسبب قضايا شائكة.
وأفادت بأن هذا التوتر، بدأ يخفت منذ الصيف المنصرم، إلى أن جاء ”الانفراج”، بتغيير فرنسا موقفها من مغربية الصحراء، وهو الشرط الذي وضعته المملكة لأي تقارب ثنائي. وأبرزت في نفس السياق أن باريس لم يسبق لها أن ذهبت بعيدًا بهذا القدر في تأييد الأطروحة المغربية.
كما كان متوقعًا، تشرح الصحيفة، كان الثمن الذي يجب أن تدفعه فرنسا من أجل التهدئة مع المغرب، هو فتح أزمة جديدة مع الجزائر- الداعمة لانفصاليي البوليساريو- التي ردت فورًا بـ “سحب” (إجراء أكثر خطورة من “استدعاء”) سفيرها في باريس وأوقفت معظم الاتصالات الرسمية.
وتجلى الانفعال الجزائري أيضا، في إلغاء زيارة الدولة إلى باريس للرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، التي كانت مقررة في الخريف. كان الفرنسيون قد توقعوا الرد. يتحملون هذا الخطر بسهولة أكبر لأنهم يعتقدون أن اليد الممدودة التي قدمها اماكرون في السنوات الأخيرة – “الرئيس الأكثر دعماً للجزائر في الجمهورية الخامسة”، كما يقولون ”لم تُلتقط بصدق أبداً”.
في طريقها إلى “خسارة” المغرب دون أن تأمل في “كسب” الجزائر، قررت الإليزيه، بعد تفكير طويل على مدار سنة 2023، إعادة توجيه بوصلة دبلوماسيتها المغاربية نحو المملكة المغربية، تضيف ”لوموند”.
عقود كبيرة في الأفق على الصعيد الاقتصادي البحت، كان المؤيدون للمغرب داخل الجهاز الحكومي الفرنسي، الذين كانوا يدفعون نحو هذا التوجه الجديد، يمكنهم الاعتماد على عدة أرقام. في عام 2023، بلغت الصادرات الفرنسية إلى المغرب 6.7 مليار يورو، أي بزيادة الثلث عن تلك الموجهة إلى الجزائر. فيما يتعلق برصيد الاستثمارات الفرنسية، فقد بلغ في عام 2022، 8.1 مليار يورو في المغرب، مقابل 2.4 مليار في الجزائر، أي أكثر من ثلاثة أضعاف. زيارة ماكرون يجب أن تكون فرصة لتعزيز حسابات فرنسا في المغرب مع إعلان عقود كبيرة في الأفق.
المغرب تمكن أيضًا من “تسويق” نفسه كمنصة انطلاق نحو إفريقيا، حتى لو كانت مبادراته (مثل خط أنابيب الغاز نيجيريا-أوروبا أو المنفذ الأطلسي المقدم للساحل). إعادة التوازن الجارية تعزز بهدوء تدهور الائتمان الاستراتيجي للجزائر في نظر باريس، وهو انخفاض مدعوم بخيبات الأمل في السنوات الأخيرة في العلاقة الثنائية، ولكن أيضًا بالشكوك حول قدرة النظام الجزائري على الإصلاح.
ومع ذلك، لا يتخلى ماكرون عن أمله في تطبيع علاقاته مع بلد، مهما كانت حدوده، يبقى مركزيًا بالنسبة لفرنسا، بسبب كثافة الروابط الإنسانية والقضايا التذكارية. « نحن نواصل السعي » نحو علاقة هادئة، تؤكد مصادر للصحيفة في قصر الإليزيه. وتعتقد باريس أنها تستطيع جزئيًا تلبية مصالح الجزائر الضعيفة في بيئتها الإقليمية في ظل التغيرات الجيوسياسية إقليميا ودوليا.
وحسب الصحيفة، فإن الأزمة التي أثارها تغيير موقف ماكرون بشأن الصحراء ليست أقل جدية وديمومة. تبون، الذي كان من المفترض أن يحافظ الرئيس الفرنسي على علاقة ثقة معه، “شعر بالخيانة”، وفقًا لما نقلت ”لوموند” عن دبلوماسي فرنسي.
كانت مرارة تبون، تردف الصحيفة، أشد لأن ماكرون، الذي حرص على إبلاغه مسبقًا خلال لقاء في 13 يونيو في باري (إيطاليا) على هامش قمة مجموعة السبع، قد تجنب في الواقع الحديث عن جذرية التحول القادم. وتأمل باريس، بحسب ”لوموند” دائما، في تخفيف صدمة تبون من خلال العمل على عرض ذاكرة جديد حول حرب الجزائر أو الفتح الاستعماري. قد تُقَدَّم « اعترافات » من خلاله غير مسبوقة.
إرسال تعليق