غلاب يكشف كواليس إعداد وثيقة المطالبة بالاستقلال وهذا من كتبها وكيف انتقلت من السرية إلى العلن

  • بتاريخ : يناير 11, 2021 - 9:14 ص
  • الزيارات : 8
  • حسن عين الحياة
    يخلد الشعـب المغربي، يوم غد الاثنين، الذكرى الـ77 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال (11 يناير 1944)، التي تعدا حدثا بارزا في ملحمة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال وتحقيق السيادة الوطنية والوحدة الترابية. وهنا سنعود إلى أكثر من سبعة عقود خلت، للوقوف عند هذا الحدث التاريخي الكبير، وظروف الإعداد لهذه الوثيقة التي كانت منطلقا رسميا للمطالبة بالاستقلال، مع واحد ممن عايشوا المرحلة، وهو الطاهر غلاب، شقيق الكاتب والسياسي المرحوم عبد الكريم غلاب، الذي روى لنا تفاصيل مهمة بلغة شاهد عن العصر.
    قبل الحرب العالمية الثانية، يقول الطاهر غلاب، كان المقيم العام الفرنسي نوغيس، قد ضرب بقوة الحركة الوطنية، فتم اعتقال بعض الوطنيين، وتعذيب آخرين، ما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء.. وهذا جعل الحركة الوطنية في سكون واضح.. “ذلك أن نوغيس نفى علال الفاسي إلى الغابون، وفرض الإقامة الجبرية على بلحسن الوزاني في جبل بالجنوب المغربي، فيما تم تعذيب الوطنيين، وبالتالي لم يكن هناك من يتحرك أو يكلم”.. ويضيف الطاهر غلاب أنه بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، أعلن الملك محمد الخامس أن المغرب سيشارك في هذه الحرب مع الحلفاء. وبعد دخول الأمريكان إلى المغرب، حدث نوع من الانفراج في الظروف السياسية في المغرب والعالم أيضا، وبدأ الناس يتطلعون إلى أنه بعد الحرب، سيتم تصفية الاستعمار.. لكن دون تلقى وعد بذلك”.
    ويضيف الطاهر غلاب أنه “في بداية عام 1944، التأم جمع الحركة الوطنية، خاصة وأن من كانوا في الخارج دخلوا المغرب، كأحمد بلافريج ومحمد اليزيدي والحاج عمر بن عبد الجليل ولفقيه محمد غازي… هؤلاء قالوا إن الحرب على وشك النهاية، ولابد أن نضع ركيزة قوية نعتمد عليها في مطالبنا.. فالمطالب التي رفعناها عامي 1934 و1937 أصبحت متجاوزة ولا ينبغي تكرارها، وبالتالي، يجب التفكير في مطلب جديد، يظل هو الرمز الذي ندافع عنه إلى آخر رمق.. آنذاك، تدخل الحاج أحمد بلافريج وقال “ماكاين إلا الاستقلال.. خاصنا نطالبوا بالاستقلال”، وكان أول من تلفظ بها آنذاك.. هذه الكلمة كانت تشق السمع، وكان كل من ينطق بها آنذاك، يعرف أنه سائر نحو الإعدام”…
    وثيقة المطالبة بالاستقلال كُتبت بخط عبد الوهاب الفاسي وبقلم بحوزة أحمد مكوار
    بحسب الطاهر غلاب، حبذ كل هؤلاء الزعماء الفكرة، وقاموا بتوسيع الدائرة مع الشباب التابعين لهم، ثم قرروا عدم البدء في أي عمل إلا بعد التشاور مع الملك محمد الخامس، خاصة وأنه كان يزورهم بين فينة وأخرى، أو يحج إليه عضوان من الحركة أو أكثر للتشاور، أو التداول في مذكرة قادمة من الفرنسيين قصد دراستها وإبداء الرأي فيها.. لذلك، يقول غلاب “ذهب بعض هؤلاء الزعماء إلى محمد الخامس، وقالوا له إن تلك المطالب القديمة جعلتنا كما لو أننا ندور في حلقة مفرغة.. والآن خرجنا بقرار جديد، هو طلب الاستقلال، فكان جواب الملك واضحا، بحيث قال لهم “أنا معكم، وبالفعل، هذا هو الحق”.. بعدها، التأموا جميعا وأعدوا مذكرة أو وثيقة ارتكزوا فيها على عدة نقط، ضمنها أن المغرب شارك في الحرب العالمية كبقية الدول المشاركة، وأنه لا يرى جزاء لجهوده ولا لمستقبل العلاقات بينه وبين فرنسا إلا أن ينال استقلاله، وأعتقد أن من كتبها بخط يده، هو أحد الشخصيات البارزة في القرويين، وكان صديقي، هو سيدي عبد الوهاب الفاسي، ابن عم علال الفاسي، لأنه كان يكتب بخط جميل، كما أن الوثيقة كُتبت بقلم ظل موجودا في منزل السي أحمد مكوار”.
    توقف الطاهر غلاب قليلا، وسرح ببصره نحو صورة معلقة قبالته على الحائط، وهي نسخة طبق الأصل من وثيقة المطالبة بالاستقلال.. ثم استرسل “هذه الوثيقة طاف بها الوطنيون على الناس، فوقَّع عليها كثيرون، من الدارالبيضاء ووجدة وباقي المدن المغربية.. قبل ذلك، كنا آنذاك ننسخها بواسطة الأقلام والورق، وكنا ممنوعين من مغادرة المكان قبل أن يتوصل بها الملك من قبل الوفد المكلف بحملها إليه، لكن بمجرد خروجنا استقبلها الناس بفرحة كبيرة، كما لو أنهم حصلوا على الاستقلال في ذلك اليوم، ومن ثمة أجمعنا وقتها على شيء واحد هو الاستقلال”. آنذاك، يضيف الطاهر غلاب، تحولنا إلى نقطة أخرى، هي تأسيس هيئة، وطالبناها بإنجاز رسائل تؤيد وثيقة المطالبة بالاستقلال مع التوقيع عليها.. “وقتها خرجنا في يوم واحد، بالمئات، وتوصل محمد الخامس بعرائض التأييد من جميع أنحاء المغرب، ليصل عددها إلى أزيد من مليون عريضة وتم تقديمها إلى المقيم العام، كدليل على أن الاستقلال يحظى بإجماع وطني”.