صحفي : حمزة مزلاف
في اطار الأنشطة التي نظمتها كلية العلوم القانونية، الاقتصادية والاجتماعية بمكناس بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان، أعطى السيد عبد الغاني بوعياد عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة مولاي اسماعيل مكناس إنطلاق الندوة الوطنية والتي ألقتها الدكتوراه بودربيلة السعدية محاضرة بعنوان “المغرب نحو الغاء عقوبة الاعدام”. والأستاذة من أول الفاعلين الحقوقيين الذين طالبوا ويطالبون بإلغاء هذه العقوبة لتعارضها مع أسمى الحقوق أي الحق في الحياة. تكلم الكثيرون عن راهنية الموضوع فذكرت ة أنه سبق ا أن نظمت في 2008 يوما دراسيا بنفس المؤسسة حول الحق في الحياة في اطار مجموعة البحث التي كانت قد أنشأتها في 2007 “مجموعة الدراسات والأبحاث حول ثقافة السلام”. وكان أهم توصية لهذا اليوم هو ضرورة تكريس الحق في الحياة دستوريا وهذا ما تم التنصيص عليه في دستور 2011 في فصله 20.
لتعليل طرحها تناولت الأستاذة الفاضلة بالدرس والتحليل ثلاثة محاور:
في المحور الأول تطرقت لمسلسل الخطوات التي نهجها المغرب منذ بداية التسعينيات الى الآن في اتجاه الغاء عقوبة الاعدام والتي يلتقي فيها المؤسساتي بالتشريعي اذ أحدث المغرب مجموعة مؤسسات لتطوير مجال حقوق الانسان مؤسسات حكومية وأخرى مستقلة من وزارة لحقوق الانسان والمجلس الوطني لحقوق الانسان و هيأة الانصاف والمصالحة وما أتت به هذه الأخيرة من توصيات من بينها الغاء عقوبة الاعدام وغيرها من المؤسسات..
وبالنسبة للتشريعي توقفت عند كل المراجعات ومستجداتها سواء في نطاق التشريع الأساسي الذي كرس المفهوم الكوني لحقوق الانسان منذ مراجعة 1992 مرورا بتكرسيه لحقوق كثيرة سواء في تصديره أو في الباب الثاني من دستور 2011 أهمها تأكيده على التصور الكوني بالإضافة لدسرته ولأول مرة سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها على القانون الداخلي وأخيرا وليس اخرا دسترة الحق في الحياة ومنع التعذيب والمعاملات اللاإنسانية والحاطة بالكرامة الخ..
الى جانب الممارسة الاتفاقية للمغرب من خلالها صادق على الاتفاقيات الأساسية لقانون حقوق الانسان وأهمها بالنسبة لموضوعنا العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ل 1966 واتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من العقوبات وضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة 1993…
وختمت هذه الخطوات بتطور جد مهم بهذا الخصوص حين أوقف المغرب وبشكل طوعي تنفيذ هذه العقوبة وأصبح العفو الملكي يشمل المحكوم عليهم بالإعدام وهو ما يعتبر الغاء في الواقع العملي. فتساءلت عن تردده في سلكه الخطوة الحاسمة أي الالغاء في النص القانوني. ولكن قبل ذكر الأسباب تناولت بالتحليل في محور ثاني مظاهر التردد وأهمها المصادقة على العهد الخاص بالقوق المدنية والسياسية الهادف الى الغاء عقوبة الاعدام وعدم المصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق به ل 1989 والمنادي بإلغاء عقوبة الاعدام نهائيا الى استمراره في الامتناع عن التصويت على قرار اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2007 والحاث على وقف تنفيذ هذه العقوبة.
ثم في محور ثالث لخصت أسباب هذا التردد. وهي أسباب تبقى في مجملها، حسب الأستاذة، نفس الأسباب والدوافع التي يقدمها المدافعون عن ابقائها من التأكيد على حق الضحية، ولاقتناعهم بأنها عقوبة رادعة، ولكونها نهائية ستوفر على البلد جرائم أخرى، ثم بدافع الغيرة على السيادة وفي حالات أخرى احتراما لتعاليم الدين بل أحيانا لاحترام الرأي العام .
وأوضحت الأستاذة أن كل هذه المبررات ضعيفة ومردود عليها. فعن حق الضحية ذكرت الأستاذة أنه يحظى بالإجماع لأن الاختلاف فهو لا يتعلق بإفلات الجاني من العقاب ولكن بطبيعة العقاب مبينة أن المساواة الوحيدة بين المجني عليه والجاني والتي يليق ذكرها هي كونهما ضحيتان. وطالبت بإنصاف هذا الأخير فهو لم يخلق مجرما وبالتالي من انصافه البحث عن أسباب التحول في حياته من طفل كانت له طموحات ومتمنيات جميلة الى شخص يرتكب أبشع الجرائم أحيانا.
وانصافه عبر توفير شروط المحاكمة العادلة بما فيها الخبرة النفسية والعقلية ووو.. وباستحضار قرينة البراءة منذ الاعتقال الى أن تكتسب الدعوى حجية الشيء المقضي به. الكل يعلم الأخطاء القضائية سواء لأنها تصدر عن ادميين أو بسبب الاختلالات العميقة والفساد الذي تعرفه منظومة العدالة في بلداننا. فالجاني منذ اعتقاله الى حين النطق بالحكم عليه كمن يلعب القمار وهذا ما اصطلحت عليه مسؤولة أممية “باليانصيب القضائي” اما انصافه بالحكم عليه بحكم يتلاءم مع تصرفه الجرمي واما قتله خطأ.
وعن الردع أعطت أمثلة كثيرة تثبت عدم جدوى هذه العقوبة في ردع الاخرين عن ارتكابهم الجريمة لأن الاعدام وتقول أن اختيار عقوبة الاعدام هو الحل السهل ولكن الحلول الحقيقية تكمن في سياسات اجتماعية وثقافية واقتصادية لمحاربة التهميش والفقر. وأهم مثال لتفنيد الجانب الردعي لها هو بالرجوع الى تقارير أمنستي لاحظت أن عدد المحكوم عليهم بالإعدام يزداد سنويا في الدول المنفذة سواء في الصين، السعودية، ايران والصومال وهلم جرة ..الاستثناء 2020 بسبب الجائحة حيث عرف التنفيذ انخفاضا واضحا الا في مصر حيث أعدم ثلاث مرات عدد التنفيذ في 2019.
ولكونها نهائية ستعفينا من حالة العود ردت الأستاذة وهل اذا ارتحنا من شخص سنرتاح من الدوافع التي صنعت منه مجرما والتي بدل ذاك الشخص ستخلق المئات بل الالاف من أمثاله.
بالنسبة للدين اعتبرت الاستاذة أن الدين ذريعة فقط لأن فيها من أوقف تنفيذ العقوبة وبعضها قيد نطاق تطبيقها … فأين الانسجام مع القصاص أي قتل القاتل. وبالنسبة للأيتن الكريمتين مرجعا التنفيذ أبانت الاستاذة الاختلاف في القراءات بين قراءة شمولية للقران تنطلق من أهدافه وتغلب عليها قيم الدين السمحة من عفو ومغفرة ورحمة وكلها جاءت في الآية 178 من سورة البقرة أما الحرفية والانتقائية والتي تجعلهم يطبقون بعض الكتاب وليس كل الكتاب فتحيلنا على مواقف الانتقام رغم أن القران تكلم عن التخفيف أي عقوبة بديلة كدفع الدية حين سمح بعفو “أخيه” أي ولي أمر المجني عليه للجاني.
وختمت الأستاذة أن هذا الموضوع هو من الموضوعات الشائكة وأن الاجماع حوله مستعصي. وأضافت أنه بحكم تداخل عوامل كثيرة في الظاهرة وجبت دراستها بشكل شمولي تلتقي فيه حقول معرفية متعددة من قانون وسياسة واقتصاد وعلم الاجرام وانثروبولوجيا وعلم النفس وعلم الاجتماع لفهمها فهما عميقا والا فكل السياسات تبقى ناقصة وغير مجدية فتتفاقم الجريمة ونردها لكل الأسباب الا الأسباب الصحيحة على حساب أرواح لو عاشت ظروفا أخرى لعرفت مصيرا اخر..
وفي الأخير عادت الأستاذة لتذكيرنا بأنه بسبب كل هذه الخطوات مع ضعف الدوافع للإبقاء عليها و تكريس الحق في الحياة وسمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها على القانون الداخلي دستوريا أوصت الأستاذة بضرورة خروج المغرب من موقف المتردد منذ تبنى سياسة الالغاء في الواقع العملي عند وقفه طوعيا التنفيذ وتوسيع مجال العفو الملكي الى هذه الفئة وتوضيح موقفه بالتنصيص دستوريا على الغائها مع التأكيد ألا تشمل المراجعات الدستورية هذا المقتضى.