عبد السلام الصديقي يكتب :ما مسؤولية الحكومة أمام ارتفاع الأسعار؟

  • بتاريخ : مارس 4, 2022 - 12:45 م
  • الزيارات : 4
  • كثر الحديث اليوم عن مسألة ارتفاع الأسعار الذي يمس تقريبا جميع المواد الأساسية والحيوية. وأصبحت هذه الزيادات تشكل أبرز الانشغالات اليومية للمواطنين، كما تحتل الصدارة في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. لدرجة جعلت كل الظروف مواتية لظهور سخط شعبي حقيقي من شأنه أن يشكل تهديدا حقيقيا لاستقرارنا الاجتماعي. فلقد أصبحت تصلنا من هنا وهناك تحذيرات وإشارات معبرة على الحكومة أن تتنبه إليها أكثر من أي وقت مضى.

    علينا أن نعترف، بكل موضوعية، بصعوبة الأوضاع وتعقد المشاكل وذلك نتيجة عوامل خارجية وداخلية في نفس الوقت؛ ونخص بالذكر ارتفاع الأسعار في السوق الدولية للمواد الغذائية والطاقية والتي تنعكس بصفة آنية على المغرب، وهي ظاهرة أصبحت تتفاقم أكثر في ظل الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا. كما يعرف المغرب وضعية جفاف قاسية لم يشهد مثلها منذ أربعة عقود. كل هذه الأحداث تأتي في ظرفية دقيقة مازالت فيها بلادنا لم تتعاف بشكل كامل من ركود 2020، ذلك أن أجزاء واسعة من النشاط الاقتصادي تعاني من تداعيات الجائحة كقطاع السياحة والأنشطة المختلفة المرتبطة به من قبيل النقل الجوي ووكالات الأسفار والصناعة التقليدية والمطاعم.

    وتجدر الإشارة أيضا إلى كون الحكومة تنفيذا للتوجيهات الملكية، لم تبق مكتوفة الأيدي، وخصصت لمكافحة آثار الجفاف والحد من تداعياته، غلافا ماليا يقدر بنحو 10 مليار درهم؛ منها 60 بالمئة لصالح القرض الفلاحي. وفي نفس الوقت، استمرت في تقديم الدعم للمواد الثلاثة: غاز البوتان والسكر والدقيق الوطني، بتخصيص غلاف مالي يقدر بـ16 مليار درهم في قانون المالية لسنة 2022، غلاف مرشح للارتفاع لاستيعاب الزيادات الأخيرة في أثمان هذه المواد. ولكن ينبغي أيضا أن نقر بأن المواطن لا يمكنه أن يعيش بالخبز والشاي فقط. لذلك نتساءل عن مآل باقي المواد؟ وهنا بالضبط نسجل على الحكومة غياب جرأتها في ابتكار الحلول.

    على هذا المستوى، تكتفي الحكومة بتوجيه اللوم للسوق الدولية والتي لا تتحكم فيها. مكتفية بالقول “لا حول ولا قوة لنا”، وكأننا أمام حتمية لا محيد عنها، بينما نجد أمامنا هوامش ممكنة وجب استعمالها شريطة التحلي بجرأة سياسية وتجاوز المصالح الفئوية الضيقة. لنأخذ فقط مثال المحروقات؛ أليس من المناسب الأخذ بجدية الاقتراحات المقدمة هنا وهناك، لنطبق نوعا من التسقيف بخصوص أسعار المحروقات في محطات الوقود، من خلال تفعيل بعض الدعامات كالضريبة الداخلية على الاستهلاك والهوامش الربحية للموزعين! إن إجراء من هذا النوع سيكون له تأثير إيجابي ليس فقط على الاقتصاد والقدرة الشرائية للساكنة، ولكن أيضا سيرفع من معنويات المواطنين ويقوي ثقتهم في مؤسسات بلدهم. وهكذا، فالتخفيض من الضريبة على الاستهلاك لن يؤدي إلى خسارة على مستوى الميزانية لسبب بسيط، وهو أن النقص الحاصل في التخفيض سيتم تعويضه من خلال الزيادة في وعاء هذا الرسم. وهكذا يتضح من خلال عملية حسابية بسيطة أنه بإمكاننا أن نخفض هذه الضريبة ب 10 نقاط ونحصل على نفس المورد!

    علاوة على ذلك، فإن الحد من هوامش الربح لموزعي المحروقات، لن يكون إلا إحقاقا للحق ومن باب الانصاف لصالح المستهلك نظرا لكون الموزعين، كما تدل على ذلك العديد من التقارير، قد استفادوا منذ تحرير قطاع المحروقات سنة 2015، من موقع احتكار القلة، الذي يسمح لهم بالاستيلاء على مداخل ريعية غير عادلة اجتماعيا وغير منتجة اقتصاديا، ويكفي الاستدلال هنا بالتقرير الاستطلاعي الذي أنجزته اللجنة البرلمانية (ماي 2018) وأعمال أخرى قامت بها كل من الجبهة الوطنية للدفاع على شركة تكرير المحروقات (La SAMIR) ونشطاء من المجتمع المدني المهتمين بهذا الموضوع، حتى لا نقتصر فقط على الإشارة للتقرير الأخير الذي أنجزته جمعية “ضمير”. تبلغ الأرباح “غير المشروعة” التي استحوذت عليها هذه الشركات في نهاية سنة 2020 مبلغا خياليا يقدر ب 38,2 مليار درهم ليتجاوز 40 مليار درهم في متم سنة 2021!!  يمكن دائما أن نشكك في صحة ودقة هذه الأرقام، ولكن هناك مسألة لا جدال فيها، مفادها كان هناك ومازال نوع من تجاوز الحدود. وكدليل على ذلك أننا لم نشاهد إلا نادرا تخفيضا مناسبا في أسعار البنزين، لما حدث انهيار سعر البرميل في السوق العالمية خلال سنة 2020. وبعبارة أخرى، نعرف كيف نعكس صدى أية زيادة في الأسعار الدولية على المستهلك المغربي في حينها. ولكن عندما يتعلق الأمر بالانخفاض في هذه الأسعار، نتردد بل ونناور حتى تفوت الفرصة على هذا المستهلك. وفي نهاية المطاف، فالمواطن المستهلك له كامل الحق للمطالبة باستعادة الحقوق التي سلبت منه ظلما وعدوانا وبدون موجب حق. إنها مسألة مرتبطة بالعدالة الاجتماعية، إن لم نقل بالعدالة وكفى.

    وهناك رافعة أخرى يمكن للحكومة أن تعتمد عليها ولها كامل المسؤولية في ذلك، وتتعلق بتطهير قنوات تسويق السلع، والحد من الوسطاء ومختلف الطفيليين، “والضرب بقوة” على المضاربين والمستفيدين من الأزمة، كما تم الإعلان عن ذلك في متم أشغال المجلس الحكومي الأخير. فالحلول موجودة، يكفي الاطلاع على رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كما قدمه مؤخرا: “من أجل مقاربة متجددة ومندمجة لتسويق المنتجات الفلاحية”. غير أن العمل الحكومي لا ينبغي أن يكون مرحليا وعابرا، كما نسمع ذلك كلما اقترب موعد حلول شهر رمضان المبارك، فمثل هذا الخطاب يمكن أن يفسره هؤلاء المضاربين كما يلي: “توقفوا عن هذه الممارسة خلال شهر رمضان، وأمامكم سنة بكاملها لاستعادة ما ضاع”!

    خلاصة القول، الحكومة مدعوة للقيام بكل ما يجب القيام به لكبح جماح التضخم حتى لا يتحول المنحى الحالي إلى تضخم فاحش، فالمهمة مرتبطة بحماية القدرة الشرائية للمواطنين، والحفاظ على كرامتهم، وبالتالي الحفاظ على استقرار بلادنا. فلا ينبغي أن نغتر بالأرقام المطمئنة نسبيا والصادرة عن كل من المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب، والتي تقدر معدل التضخم في 1.8 بالمئة بالنسبة لسنة 2021 وسنة 2022، فالواقع في الميدان، كما يعيشه ويحس به المواطن مختلف تماما. على الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار هذه الوضعية وتبرهن  عن التزامها في التصدي بكل حزم لهذه الآفة.