خطاب العرش بين رهان التنمية و سؤال العدالة الإجتماعية و المجالية

  • بتاريخ : يوليو 31, 2019 - 12:37 م
  • الزيارات : 5
  • خنفور يوسف كاتب و باحث بسلك الدكتوراه

    شكل خطاب جلالة الملك محمد السادس يوم 29 يوليوز 2019 بمناسبة الذكرى العشرين لتربعه على عرش أسلافه المنعمين، خطاب يعكس توجه إصلاحي ثوري يروم تعاقد جديد مبني على قيم المواطنة و الوطنية و الإنسانية و العدالة الإجتماعية و المجالية، خطاب صريح مبني على النقد البناء،  اكد فيه جلالته على تثمين المنجزات و بطبيعة الحال السعي قدما نحو مغرب العهد الجديد. و في معرض تحليلنا للخطاب السامي سنقف عند النموذج التنموي الجديد و رهان العدالة الإجتماعية و المجالية .

    مما لا شك فيه أن الأوراش التنموية التي إنخرط فيها المغرب و المبادرات الإصلاحية الرامية لكسب رهان التنمية أبانت عن مجموعة من المنجزات تقابلها مجموعة من الإستراتيجيات المتعثرة. و هو ما أكده عاهل البلاد صراحة بأن المغرب كسب رهان البنية التحتية من طرق سيارة، القطار الفائق السرعة، الموانئ…إلخ و في الجانب الآخر لا زالت هناك تعثرات على المستوى الإجتماعي من قبيل الخدمات الأساسية للمواطنات و المواطنين. و بطبيعة الحال سجل جلالته أنه بقدر الإنشغال التام و الدائم بهذه الأوضاع فإن ذلك لا يزيده سوى إرادة ملحة في بلورة برامج التنمية البشرية. و الملاحظ في هذا المضمار أن العدالة الإجتماعية و المجالية لا تقتصر فقط على التنمية، و إنما ترتبط كذلك بالمجال الضريبي و الإقتصادي و الثورة الصناعية و الرقمية…إلخ. كل هذه التعثرات تقف حاجزا أمام الأوراش الكبرى التي جاءت و دستور 2011 من قبيل الجهوية و اللاتركيز الإداري فضلا عن التعثرات التي عرفها الإستثمار بالمغرب و هنا نذكر ما يرتبط بالمراكز الجهوية للإستثمار و دورها في بلورة إستثمار جهوي قادر على النهوض بالتنمية الجهوية.

    إن متطلبات نموذج تنموي جديد و رهان العدالة المجالية و الإجتماعية لابد لها من ركائز و أسس فلسفية و مرجعية تروم تغيير العقليات و الإنفتاح على الشباب و الطاقات الوطنية و تشجيع الإستثمار الوطني و الأجنبي و أن يكون الإنسان محور كل تصور.

    بطبيعة الحال إن التنمية الإجتماعية تتطلب مخططات و برامج متماسكة و متكاملة، لأن من يخطط من الناحية الإجتماعية هو القطاع الخاص الذي ليس له صلاحية التخطيط من الناحية الإجتماعية، لأن من أشرفوا على مشاريع الأمس هم من سيخططون اليوم و في نظرنا فالتنمية لا يجب أن تكون حقل تجارب متكررة لأن الأمر يرتبط بمستقبل أجيال، مستقبل مغرب العهد الجديد.

    و إكد جلالته أنه لا يحبذ فكرة تشكيل لجان قصد بلورة النماذج المبتكرة و البرامج، لاعتبار أنها تشكل فرصة لطي الملفات و نسيانها، فإنه سرعان ما أكد على أن هذه الطريقة غالبا ما تأتي بنتائج متميزة على غرار لجم=نة الأسرة و هيئة الإنصاف و المصالحة…إلخ. و في هذا لاصدد دعى إلى تشكيل لجنة للنموذج التنموي تضطلع بمهامها لفترة معينة، مشددا أن تكون من الكفاءات و الأطر الوطنية العليا، داعيا جلالته في ذات الوقت الحكومة على تبني إستراتيجيات جديدة مندمجة تواكب طموح المغرب الكائن و الممكن.

    و إن كانت المملكة‎ المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحقوالقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.  فإن هذه الأهداف تحتاج تغيير العقليات المترددة و الفكر العدمي و القطع مع أطروحة التنمية بدون ديمقراطية، و تصحيح مسار سياسي مرتبك ومتردد، و الانتقال من الديمقراطية في بعدها السياسي إلى دمقرطة الفرص الاجتماعية.

    إننا اليوم بحاجة إلى الإنفتاح على الشباب و تغيير العقليات النفعية غير المنتجة القائمة على سياسة الكراسي بحاجة إلى ادارة خدومة منتجة، إدارة تشجع الإستثمار إدارة رقمية و بحاجة إلى كوادر قادرة على تحمل المسؤولية همها الوحيد الإصلاح في إطار التلازم بين قيم المواطنة و الوطنية و الغيرة و الثوابث المترسخة. لابد من إعتماد مبادئ الحكامة الجيدة، ربط المسؤولية بالمحاسبة،  دولة المؤسسات، التدبير المرتكز بالنتائج،  معايير الشفافية و التخليق و أخلاقيات المرفق العام…إلخ