الخبير الدولي في الحراسة والامن الخاص والمسير الرياضي السيد حاتم بن عبد الكريم يؤكد :
ظاهرة شغب الملاعب باتت شاذة بمختلف ملاعب كرة القدم الوطنية، تؤرق للأسف الشديد الأندية الرياضية الوطنية وتقض مضاجع المسؤولين.
أعادت الأحداث التي شهدها اللقاء الذي جمع بين فريقي الجيش الملكي والمغرب الفاسي الأسبوع الفارط ، بالمركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط برسم دور سدس عشر نهاية كأس العرش في كرة القدم (2020-2021)، و كذا مقابلة النادي المكناسي وجمعية المنصورية برسم بطولة قسم الهواة ظاهرة الشغب في الملاعب إلى الواجهة ،واستأثرت أحداث الشغب والعنف التي شهدتها المبارتين، باهتمام جميع المتتبعين، لما خلفته من صور سلبية لا تمت بصلة للروح الرياضة وأخلاقها، وتجلت بالأساس في تخريب التجهيزات الرياضية بالمركب، والإضرار بممتلكات الغير خارجه، بل وتعدتها إلى إصابة العديد من محبي الناديين إصابات متفاوتة الخطورة وكذا في صفوف رجال الأمن، ولمناقشة وتحليل هذه الظاهرة وانعكاساتها الخطيرة على صورة البطولة الاحترافية وعلى الأندية الرياضية والبنيات التحتية الرياضة الوطنية… ،يطيب لنا في جريدة قلم الناس بركن تحت المجهر أن نستضيف الخبير الدولي في الحراسة والامن الخاص والمسير الرياضي السيد حاتم بن عبد الكريم،لتسليط الضوء على أهم مفاصل هذه الظاهرة ،والقيام بتشخيص دقيق لهذه الخلل المجتمعي .
ماهو تعريفكم لظاهرة شغب الملاعب ؟
بداية أتقدم بالشكر الجزيل لطاقم جريدة قلم الناس على هذه الاستضافة، بهدف مناقشة هذا الموضوع الهام والراهني المتعلق بظاهرة شغب الملاعب، وهي ظاهرة باتت شاذة بمختلف ملاعب كرة القدم الوطنية، تؤرق للأسف الشديد الأندية الرياضية الوطنية وتقض مضاجع المسؤولين، وترخي بظلالها على السير العادي للمنافسات سواء منها المحلية أو الدولية التي شهدتها الساحة الرياضية الوطنية مؤخرا،وقد تواترت أحداث الشغب بالملاعب الوطنية إلى درجة أنها غطت على كثير من المشاكل الأخرى التي تقف في وجه تطور الرياضة الأكثر شعبية في المغرب. فبالرغم من أن ظاهرة الشغب في الملاعب المغربية بشكل خاص تبقى أقل حدة مما هي عليه في بعض الملاعب الغربية أو العربية، لكنها في السنوات الأخيرة أخذت تتنامى بشكل كبير، وباتت تتطلب بالتالي وقفة تأمل لاستئصال هذه الآفة التي أصبحت تؤثر، ليس فقط على الرياضة والرياضيين بل على مجرى الحياة اليومية في المدن حيث تجري هذه المباريات .
ماهي الأثار السلبية لهذه الظاهرة ؟
بكل تأكيد أن لهذه الظاهرة أثرها السلبي على تقدم مستوى الكرة المستديرة، التي تستقطب نهاية كل أسبوع جمهورا عريضا، مما دفع بالمسؤولين عن الشأن الكروي الوطني إلى التفكير في حل جذري يحد من هذه الظاهرة، بدءا بالتفكير في معاقبة المتسببين من خلال فرض غرامات مالية أو الحرمان من حضور الأحداث الرياضية، وتخصيص جوائز للروح الرياضية تمنح لأحسن جمهور محليا كل أسبوع وعبر التراب الوطني نهاية كل موسم، وتكوين فرق أمنية خاصة بتتبع المقابلات ومحاربة الشغب داخل الملاعب ..
ماهي المراحل التي مرت بها ظاهرة شغب الملاعب ببلادنا ؟
يجمع الخبراء والباحثين في الشأن الرياضي على ان ظاهرة شغب الملاعب بالمغرب مرت بثلاث مراحل، تجلت الأولى في اعتداء المشجعين على اللاعبين والحكام، واتخذت الثانية شكل الاشتباكات بين مشجعي الفرق المتبارية داخل الملاعب، أما المرحلة الثالثة، وهي الأكثر خطورة فشهدت، نقل المشجعين شجاراتهم ومشاداتهم إلى خارج أسوار الملاعب، وبالتالي القيام بعمل تخريبي و إثارة الشغب في الشارع العام
.
ماهي الاثار السلبية لهذه الظاهرة؟
للأسف الشديد لم تسلم الأندية بدورها من تبعات الشغب والعنف الذي تتسبب فيه جماهيرها، حيث تتعرض في كثير من الأحيان إلى توقيف ملاعبها أوحرمانها من حضور جمهورها كما هو الحال بالنسبة للكوديم وفريق المنصورية بقسم الهواة، والجيش الملكي والمغرب الفاسي ، أوإجراء لقاءاتها خارج قواعدها وبدون جمهورها، وبالتالي ضياع فرصة التعاقد مع المستشهرين والمحتضنين إضافة إلى فقدان مداخيل بيع التذاكر، وهو ما يؤثر بشكل كبير على مداخيلها ويحدث شرخا في ميزانية تسييرها. كما أن أن للشغب في الملاعب تأثير سلبي على المجتمع برمته، باعتبار أن الظاهرة، وكما يؤكد المتخصصون، تمس الأمن العام وتدفع المواطنين إلى الإحساس بالقلق والخوف على أرواحهم وممتلكاتهم ،خاصة منهم الذين يقطنون بالقرب من ملاعب كرة القدم والمجمعات الرياضية.
كيف تعاطى المشرع المغربي مع شغب الملاعب؟.
أكيد أنه لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة و محاولة القضاء على هذه الآفة أو الحد منها، تعززت ترسانة القانون الجنائي المغربي بصدور مقتضيات قانونية خاصة تجرم العنف الرياضي بكل أشكاله أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها (قانون 09.09 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.38 الصادر بتاريخ 2 يونيو 2011)، والذي شكل قفزة نوعية في مجال التشريع الرياضي الزجري، مع وجود قواعد صارمة خص بها المشرع زجر الشغب والعنف في المنشآت الرياضية ،وتشمل العقوبات التحريض على التمييز العنصري والكراهية أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية بواسطة خطب أو صراخ أو نداءات أو شعارات أو لافتات أو صور أو بأي وسيلة أخرى، ضد شخص أو عدة أشخاص بسبب الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي آو اللون أو الجنس أو الوضعية العائلية أو الحالة الصحية أو الإعاقة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو بسبب الانتماء أو عدم الانتماء الحقيقي أو المفترض لعرق أو لأمة أو لسلالة أو لدين معين.
ونتذكر جميعا في فبراير 2016، تم الإعلان عن سلسلة من التدابير الوقائية والزجرية عقب اجتماعين بالرباط، بحضور وزير العدل والحريات ووزير الشباب والرياضة والوزير المنتدب لدى وزير الداخلية، ورئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ورئيس العصبة الاحترافية لكرة القدم، إضافة إلى ممثلي مصالح الدرك الملكي والأمن الوطني والقوات المساعدة والوقاية المدنية ،وصدر عقب الاجتماع، الذي خصص آنذاك لمحاربة ظاهرة شغب الملاعب، بلاغ مشترك نص على سلسلة من التدابير الآنية القانونية والزجرية والوقائية الرامية إلى محاربة أعمال العنف والشغب التي تقع أثناء إجراء مباريات كرة القدم ،ويتعلق الأمر بالخصوص، بتعزيز التنسيق المؤسساتي بين كل القطاعات عبر الإسراع بإخراج النص التنظيمي الخاص باللجان المحلية المنصوص على إحداثها بالمادة 19-308 من القانون 09-09 المتعلق بتتميم مجموعة القانون الجنائي، حول العنف المرتكب أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها ،كما همت هذه الإجراءات السهر على تطبيق مقتضيات القانون رقم 09-09 بالحزم والصرامة اللازمين بحق الأشخاص المتورطين في ارتكاب أعمال العنف الرياضي، وتفعيل المقتضيات الزجرية المنصوص عليها في القانون المذكور ولاسيما في الشق المتعلق بمنع الأشخاص المتورطين في أعمال العنف الرياضي من حضور المباريات مع إمكانية إجبارهم على ملازمة محل إقامتهم أثناء إجراء المباريات
وتضمنت الإجراءات أيضا الشروع في تنفيذ برنامج تجهيز الملاعب الرياضية التي تستقبل مباريات البطولة الاحترافية بوسائل المراقبة التكنولوجية (كاميرات المراقبة، مراقبة الولوج للملاعب عبر البوابات الإلكترونية، تحديث نظام بيع التذاكر)، لتساعد على تنفيذ البروتكولات الأمنية ويتعلق الأمر أيضا بمنع التنقل الجماعي للجماهير خارج العمالات والأقاليم في حالة ما إذا تبين أن هذا التنقل من شأنه تشكيل تهديد للأمن العام ومنع القاصرين غير المرافقين من الولوج للملاعب الرياضية، والحزم في تطبيق مقتضيات مدونة التأديب من طرف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في حق كل الأندية التي يتسبب جمهورها في أعمال شغب، بما في ذلك إجراء مباريات دون جمهور،لكن يبقى السؤال المطروح بشأن كل هذه الإجراءات؛ سواء كانت احترازية أو ردعية، هو ذلك المتعلق بمدى نجاعتها في الحد من الجنوح المتزايد إلى الشغب ومراعاتها لخصوصيات ظاهرة الشغب بالمغرب خلال تطبيقها
كلمة أخيرة :
في الاخير أود ان أشير أنه في ظل استمرار هذه الظاهرة الخادشة لصورة كرة القدم المغربية، بات من الضروري أن تتواصل حملات التوعية والتحسيس وكذا الاجتهاد لابتكار آليات تنزع فتيل الشغب الدموي أحيانا، والضرب بكل ما يلزم من صرامة وحزم على أيدي مثيري هذا الشغب، الذي يروع الأشخاص ويخرب المنشآت ويلطخ صورة كرة القدم المغربية، ويعود بنا للأسف الشديد إلى نقطة الصفر ، دون إغفال المقاربة الاعلامية والتواصلية، وكذا التربوية والسوسيولوجية داخل المؤسسات التعليمية والمجتمعية، كواحدة من أنجع المقاربات للقطع مع ظواهر مسيئة ومعيقة لأي تطور للمشهد الرياضي الوطني.