تجاوزات وثائق التعميير أدت إلى تدمير جزء كبير من المنطقة الفلاحية المكثفة والفرشة المائية بمكناس.

بقلم :ذـ يوسف السوحي

لا أحد ينكر أن ما تعيشه ساكنة العاصمة الاسماعيلية اليوم ،من تهميش وإقصاء اجتماعي وتخلف تنموي واقتصادي عن باقي المدن الكبرى المجاورة ،وفوضى في التعمير وفساد إداري  في الجبايات وعجز مالي ستكون له انعكاسات خطيرة على المدى المتوسط والبعيد،هو نتاج طبقة سياسية إنتهازية بامتياز،تدين في وجودها للسلطة والمال ، احتكرت المشهد السياسي منذ زمان بأساليبها الملتوية ووعودها العرقوبية ،و أقبرت بجهلها حضارة المدينة السلطانية مكناس ،وجعلتها بقايا خرقة تتقادفها  مصالح لوبي سياسي واقتصادي عمّر للأسف الشديد طويلا في دواليب التسيير والتذبير بمعية كبار الموظفين بالجماعة الذين اغتنوا على حساب المال العام، وتحولوا بين ليلة وضحاها من وجوه نكرة معدومة،إلى عملة انتخابية ،برلمانين ورجال أعمال دون سابق إنذار ،إذن هي  طبقة عملت منذ سنوات على خياطة جلباب تصاميم التهيئة العمرانية على مقاسها ومقاس أولياء نعمتها من الاعيان وأصحاب الشكارة المستفيذين بشكل كبير من خيرات وثروات مكناس ،تتفنن في خرق القانون ولا تحترم  مخطط  توجيه التهيئة وكذا الوثيقة التعمييرية الامر الذي أفقد مكناس هويتها الثقافية والحضارية والاقتصادية ،وجعلها اليوم للاسف الشديد عبارة عن قرية كبيرة،ببنايات اسمنتية غير متناغمة،وأسباب نزول هذا الحديث هو تعدد الاختلالات والخروقات القانونية في مضمون الوثيقة التعميرية لمخطط توجيه التهيئة العمرانية لسنة 1995،المشمولة بها الأملاك العقارية المتواجدة في مكناس تحديدا وتخصيصا المنطقة الفلاحية المكثفة ،المحدودة بالطريق السيار والطريق الرئيسية رقم  RP 34، التي تؤدي الى اتجاه الرباط والى اتجاه فاس ،والتابعة حاليا للجماعة القروية أيت ولال ومجاط،بهدف احداث حزام أخضر يطل على حدود جماعة مكناس،بغاية الحفاظ على البيئة الطبيعية الفلاحية والفرشة المائية التي تتميز بها المنطقة المشار اليها أعلاه ،ومن سخرية القدر بمكناس ماجاء على لسان السيد عبد الله بووانو رئيس جماعة مكناس،في تعليقه على تدوينة لاحد المنتخبين(ج.ح) من احزاب المعارضة بمجلس جماعة مكناس والتي أكد فيها على :”الا ترون ان حزاما اخضر،اضحى مطلبا مستعجلا على الاقل يحد من زحف الاسمنت على الاراضي الفلاحية”على أن فكرة الحزام الاخضر فكرة أصيلة ودعا الى تنزيلها، ناسيا أو متناسيا تقصيره في تفعيل وصيانة مضمون الوثيقة التعميرية لمخطط توجيه التهيئة لسنة 1995 بخصوص احداث الحزام الاخضر،لانه بالوقوف في المنطقة المخصصة للفلاحة المكثفة بجماعتي ايت ولال ومجاط،يتبث انقراض وتدمير جزء كبير من المنطقة الفلاحية المكثفة والمساس بالفرشة المائية المتواجدة بها،ويتبث ايضا عدم احترام المواثيق الدولية المرتبطة بالمجال البيئي والمائي،وعدم احترام سيادة القانون في شأن مقتضيات الوثيقة التعميرية لمخطط توجيه التهيئة العمرانية ،المشمول بها مدينة مكناس وذلك من خلال الرخص المسلمة في المنطقة التي تقضي في مضمونها بالسماح باحداث تجزئات سكنية ومجموعات سكنية مخصصة للسكن الاقتصادي لفئة خاصة من المنعشين العقاريين المحظوظين ولبرلمانيين عن دائرة مكناس،ولجمعية الاعمال الاجتماعية التابعة للوكالة الحضرية للتعميير بمكناس ،ليبقى السؤال من المسؤول عن هذه الجريمة الاخلاقية والادارية ،التي ارتكبت في حق المكناسين والمكناسيات،بعد الاجهاز على المنطقة الفلاحية المكثفة بايت ولال ومجاط؟ومن المستفيذ من وراء التستر على هذه الفضيحة العمرانية والبيئية؟

إن الاقامات السكنية في المنطقة الفلاحية المكثفة ،والتي تتضمن حاليا حوالي 100.000 نسمة من السكان،قد أحدث ضجة كبيرة لدى المهتمين بالشأن المحلي،وخاصة في المجال البيئي والتعميري وعلى رأسهم ساكنة جماعة مكناس التي يرأسها الدكتور عبد الله بووانو ،بسبب الانقراض التام في المنطقة السالفة الذكر للبيئة الطبيعية،واقبار الفرشة المائية،وبسبب تأثرها جراء عدم خضوع رخص البناء المسلمة في المنطقة الفلاحية والتي تقضي باحداث عدد هائل من الوحدات السكنية تفوق 20000 وحدة سكنية،لمبادئ الحكامة الجيدة المنصوص عليها في دستور 2011 ،والمتجلية في التجاوزات المتجلية في وثائق التعمير وكذا المياه العادمة الصادرة عن سكان هذه المنطقة ،والتي أضحت جماعة مكناس تستقبلها في قنوات الصرف الصحي الموجودة لديها،وتتحمل بالتالي تبعاتها،بالاضافة الى انعدام وجود المرافق العمومية بالمنطقة،ولا سيما أن السكان التابعين لجماعة ايت ولال يذهبون الى مركز الدرك الملكي الموجود بجماعة عين عرمى للحصول على بعض الشواهد الادارية.هذا وتجدر الاشارة ايضا الى أن أصل ملكية التجزئة المنجزة من طرف جمعية الاعمال الاجتماعية التابعة للوكالة الحضرية للتعميير بمكناس،يرجع الى الاملاك المخزنية وأن المنطقة الفلاحية المكثفة ،والمنجزة عليها التجزئات والوحدات السكنية تفتقر لمجموعة من المرافق العمومية الادارية ،والتي للاسف الشديد ستدفع بمالية الدولة الى اقتناء أراضي من الخواص لاحداث هذه المرافق العمومية ،فعن اي حكامة جيدة يتحدثون الساهرين عن تذبير وتسيير شؤون العاصمة الاسماعيلية ؟

إن التجزئات والوحدات السكنية المنجزة بهذه المنطقة شكلت عرقلة فعلية للمشاريع التنموية والاقتصادية التابعة لمجلس جماعة مكناس وللقطاع الخاص كذلك،بسبب السماح في منطقة غير مسموح فيها مطلقا باحداث اي تجزئة سكنية أو مجموعات سكنية ،وتسببت في ركود وتدمر في تسويق المنتوجات العقارية المتواجدة بمنطقة تولال لدى مؤسسات الصحى والعمران والمؤسسات التابعة للقطاع الخاص، وأدت الى نقص حاد في المداخيل الجبائية المرتبطة بمجال التعميير لجماعة مكناس ،وزعزعت ثقة المستثمرين بمكناس فيها بسبب عدم احترام وثائق التعميير المعروضة عليه في المنطقة السالفة الذكر ،كما شكلت ايضا قيودا غير مباشرة على تنفيذ مقتضيات الوثيقة التعميرية لمخطط توجيه التهيئة العمرانية لمكناس،والتي نصت صراحة على أنه بمنطقة تولال على مستوى طريق الرباط رقم 1 سيتم احداث ملاعب رياضية ذات الحجم الكبير،واحداث سوق للجملة ومنطقة سياحية تقضي باحداث فنادق سياحية ،بغاية خلق مناصب للشغل وانعاش المنطقة القروية للجهة الغربية لمدينة مكناس،

وانطلاقا من كل ما سبق يتضح لنا ثبوت المسؤولية المباشرة لمجلس جماعة مكناس،في شأن تدمير الجزء الكبير من المنطقة الفلاحية المكثفة والفرشة المائية،وفي شأن الاضرار التي مست بمصالح الجماعة وساكنة مكناس،والتي تقوم أمام التأييد الكلي الصادر عن رئيس مجلس جماعة مكناس للتقرير المالي والادبي الذي تعرضه الوكالة الحضرية للتعميير بمكناس كل سنة،أثناء انعقاد المجلس الاداري لها ،الذي ترأسه الهيئة الحكومية المكلفة بإعداد التراب الوطني والتعميير،وتقوم أيضا أمام انعدام  وجود أي تعرض صادر عن مجلس الجماعة بمكناس،في شأن عدم احترام الحزام الاخضر المنشأ بمقتضى المنطقة الفلاحية المكثفة،لكل هذا تلتمس ساكنة الحاضرة الاسماعيلية مكناس من الهيئات الحكومية المكلفة بالمحافظة على المناطق الفلاحية وعلى الفرشة المائية ،وكذا الهيئات الحكومية المكلفة بالسهر على تطبيق واحترام وثائق التعميير ،أن يتدخلوا لايقاف نزيف الاختلالات والخروقات والاضرار السالفة الذكر،مع الحرص على تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليه في دستور 2011 …يتبع